خيمة الاجتماع


خيمة الاجتماع


خيمة -الاجتماع


أسفار موسى الخمسة"خيمة الاجتماع"

المقدمة
     بعد سقوط آدم وحواء في الخطية وتشوه الخليقة وفسادها، كان لابد أن تكون هناك فكرة الفداء والتي جاءت عن طريق ذبح حيوان وسفك دمه وأخذ جلده لتغطيتهما، وهذا كان يرمز إلى الفداء الذي صنعه المسيح لنا بدمه على الصليب. وعلى هذا الأساس يمكن الاقتراب إلى الله لعبادته، ولكن كيف يحدث هذا والمسيح لم يكن قد تجسد بعد؟ وهنا جاء الحل الإلهي من السماء وهو عمل خيمة الاجتماع لتقديم الذبائح فيها لله لكي يشتمها ويعفو عن الإنسان الخاطئ.

     أراد الله أيضاً أن تكون له شركة مع الإنسان ليتحدث إليه ويتكلم معه، وبالفعل كان الوسيط بين الله والشعب هو "موسى" الذي أمره الله بأن يعمل خيمة الاجتماع بمواصفات وقياسات محددة بالضبط، فنرى الله يقول له "بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون" (خر25:9)، وبالفعل صنع موسى خيمة الاجتماع، وكان الله يتكلم إليه ويعطيه وصاياه، وأحكامه، وموسى ينقلها بدوره إلى الشعب.

وكانت خيمة الاجتماع تسمى بعدة أسماء منها "المقدس" (خر25: 8)، و"خيمة الشهادة" (أع 7 :44)، و"المسكن" (خر26: 1)

"المقدس أول مؤسسة متعددة الأغراض فمن خلالها يتم التواصل مع الحاكم الفعلي للشعب ومنها يستمد التشريع، وحولها يتم تنظيم الشعب مكانياً لأول مرة في تاريخه"

ولكن يبقى السؤال الهام وهو: لماذا كل هذه الضوابط والتعليمات المشددة في صنع خيمة الاجتماع؟ وهل هناك رابط بين كل قطعة من مكونات خيمة الاجتماع والمواد المستخدمة فيها وبين المسيح؟

لا يوجد شك في أن الله كان له قصد من إقامة خيمة الاجتماع بكل ما فيها، سواء الدار الخارجية، أو القدس، أو قدس الأقداس، والأدوات المستخدمة في كل جزء من هذه الأماكن وإلى أي شئ ترمز، فهناك مذبح النحاس، والمرحضة، ومائدة خبز الوجوه، والمنارة الذهبية، ومذبح البخور الذهبي، وتابوت العهد، والغطاء أو كرسي الرحمة.

لقد استخدم الله أيضاً الرموز والأعداد في توافق رائع ودلالات عظيمة جداً، وهذا يثبت ويؤكد أن الله كلي العلم والمعرفة، وهو إله نظام فائق، وليس إله تشويش.

وسف يناقش هذا البحث هذه الأمور بالأسلوب الأفقي للكتابة.

الفصل الأول التركيب العجيب لخيمة الاجتماع

     تتكون خيمة الاجتماع من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي الدار الخارجية، والقدس، وقدس الأقداس، وكل جزء من هذه الأجزاء به بعض المحتويات الهامة والتي لها رموزها التي توضح مغزاها الروحي.


·     أولاً الدار الخارجية
    هي مستطيلة الشكل مساحتها 100 ذراع (خر 27: 9)، وهي محاطة بأستار من بوص مبروم (كتان نقي) على ارتفاع خمس أذرع وهذه الأستار معلقة في أعمدة وكل عمود له قاعدة من نحاس وجميع الأعمدة موصولة من فوق بقضبان من فضة (خر27: 17)، وهذه الأعمدة من جهة الشمال عشرون عموداً ومن جهة الغرب عشرة أعمدة ومن جهة الشرق عشرة أعمدة ومن جهة الجنوب عشرون عموداً فتكون جملة الأعمدة ستون عموداً.
وهناك أوتاد لأعمدة الدار والباب حواليها وهذه الأوتاد من نحاس تتصل بالأعمدة بواسطة أطناب (خر27: 19).

محتويات الدار الخارجية
1ـ مذبح النحاس
     يعتبر مذبح النحاس أكبر جزء في خيمة الاجتماع إذ يبلغ طوله خمس أذرع وعرضه خمس أذرع وارتفاعه ثلاث أذرع وهو مصنوع من خشب السنط ومغشى بالنحاس وله أربعة قرون منه على زواياه الأربعة. والمذبح مجوف مصنوع من ألواح وله عصوان مصنوعتان من خشب السنط المغشى بالنحاس وجميع آنية المذبح من نحاس وعليه تقدم الذبائح بكل أنواعها وتكون النار متقدة عليه دائماً لا تطفأ (لا6: 9)

"كان المذبح الجزء الأكبر من التجهيزات وقد عُرف باسم مذبح المحرقة (لا 4: 7) ... وقد أعد لكي ينقل عند الارتحال وكان ينقل بواسطة العصي. وكل أواني المذبح وأدواته كلها كانت أيضاً مصنوعة من النحاس وليس من الذهب"


يشير خشب السنط إلى ناسوت المسيح الغير قابل للفساد وهو الذي قدم نفسه ليرفع الدينونة عن كل العالم، وهو قدم نفسه طواعية وليس عن إضطرار.

أما النحاس فيشير إلى بر الله في تعامله مع شر الإنسان، فالنحاس مرتبط بالدينونة وهذا كان واضحاً من خلال الحية النحاسية التي كانت تعبر عن دينونة الله.

"مذبح المحرقة في جملته هو إعلان الله في بره وفي محبته، ولذلك كان هو المكان الذي فيه يلتقي الله بالخاطئ،... إن أول شئ تقع عليه عينا الخاطئ عند مجيئه من الخارج ليدخل إلى ديار الرب هو مذبح المحرقة، وفي استحقاق الذبيحة ورائحتها الطيبة التي صعدت إلى الله يستطيع الخاطئ أن ينال القبول لديه تعالى"

"إن مذبح النحاس كان مكان إدانة الخطية بحسب عدل الله، أما خشب السنط فهو يشير إلى ناسوت المسيح.... فعند مذبح النحاس نشاهد المسيح مواجهاً نيران عدل الله وغضبه"

في مذبح النحاس ونتيجة وجود البديل الذي يرفع عن جميع البشر خطاياهم ويموت هو بدل عنهم تصبح كل الخطايا رماداً في أسفل المذبح حيث أن الله قد دان الخطية هناك في شخص المسيح واستوفى العدل جميع حقوقه.

2ـ المرحضة


     توجد المرحضة بين مذبح النحاس وباب المسكن وهي مصنوعة من نحاس وقاعدتها من نحاس وفيها ماء ليغسل هرون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها عند دخولهم إلى القدس لئلا يموتوا وهي مستديرة الشكل مثل "البحر" الذي في هيكل سليمان الذي كان مستديراً (1مل 7: 23)

"البحر بركة من نحاس مستديرة تقابلها المرحضة في خيمة الاجتماع وكانت البركة تقع داخل الفناء عند الجهة الغربية الشرقية للهيكل وكانت تزود الكهنة بالماء اللازم لغسل أنفسهم"

يحتاج الإنسان في حياته بعد الإيمان وحصوله على الخلاص إلى الاغتسال الدائم والتطهير من الخطايا التي تلصق به من العالم. والمرحضة الموجودة في خيمة الاجتماع كانت مملوءة بالماء والماء رمز لكلمة الله "... كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف 5: 25، 26)
"الاغتسال في المرحضة لا يكلمنا عن التطهير الشرعي والأبدي الذي تم فعلاً بالدم المسفوك على مذبح النحاس لكن يكلمنا عن "ماء كلمة الله" الذي يطهر المؤمن أدبياً في أثناء سيره في هذا العالم الملوث"

 "في (عب 10: 22) يقرن الرسول "التطهير بالدم" و "الاغتسال بالماء" معاً إذ يقول "لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي" فالقلب والضمير يتطهران بالدم، والجسد يغتسل بالماء إشارة إلى الولادة الثانية بكلمة الله. وحينئذ يكون المؤمن مؤهلاً للاقتراب إلى الله بقلب واثق كابن."

·     ثانياً: القدس
ننتقل إلى الجزء الثاني من خيمة الاجتماع وهو "القدس"، ويحتوي القدس على مائدة خبز الوجوه، والمنارة الذهبية، ومذبح البخور الذهبي.

1ـ مائدة خبز الوجوه
     كانت مصنوعة من خشب السنط ومغطاة بذهب نقي ولها إكليل من ذهب حواليها. ولها أربع أرجل وكانت تحمل بواسطة عصي تدخل في الحلقات من كل جانب، والأواني التي عليها وهي الصحاف، والصحون، والكاسات، والجامات كلها مصنوعة من ذهب نقي.

ويوضع على المائدة "خبز الوجوه" وقد سمي بهذا الاسم لأنه كان أمام وجه الله دائماً وهو عبارة عن اثنا عشر رغيفاً (لا24: 5) وتوضع الأرغفة على المائدة في صفين ستة أرغفة في كل صف وفوقها لبان نقي. وكانت الأرغفة تستبدل في نهاية كل أسبوع والأرغفة التي ترفع كانت لهرون وبنيه طعاماً ليأكلوها في القدس (لا 24: 7).

إن يسوع المسيح هو الخبز النازل من السماء المشبع لجميع البشر وهو الذي أعلن عن نفسه قائلاً "أنا هو خبز الحياة"

"ترمز المائدة إلى المسيح الذي يحمل شعبه دائماً في محضر الله، والإكليل الذهبي الذي كان يحيط بالمائدة يحدثنا عن مجد المسيح من جانب، وعن حماية المسيح للمؤمنين من جانب آخر. والاثنا عشر رغيفاً تشير إلى عدد أسباط إسرائيل، والأدوات التي كانت توضع على المائدة تمثل لنا كفاءة المسيح في خدمة شعبه"

2ـ المنارة الذهبية
     كانت المنارة مصنوعة من ذهب نقي ولها قاعدة وساق مركزية في الوسط يتفرع على جانبيها ست شعب كل اثنين متصلتان معاً، ثلاثة على الجانب الواحد وثلاث على الجانب الآخر. ولها سبع سرج من ذهب يصعدها هرون لتضئ إلى مقابلها، وكان يوضع في السرج زيت زيتون نقي لإضاءة السرج دائماً، والملاقط والمنافض كلها كانت من ذهب نقي.


     تتحدث المنارة عن المسيح الذي هو نور العالم، وهو الذي قال عن نفسه "أنا هو نور العالم" (يو 8: 12)، فالمسيح هو الذي أضاء بلمعان كامل في وسط ظلمة هذا العالم، ولم تكن هناك لحظة واحدة خلال حياته المجيدة كلها لم يسطع فيها نوره كاملاً، وهو أيضاً سراج المدينة المقدسة "لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها" (رؤ21: 23)، والزيت الذي كان يوضع في السرج فهو إشارة إلى عمل الروح القدس وحضور الله الدائم.
"كان يجب استخدام أنقى أنواع زيت الزيتون لتقديم إضاءة دائمة أمام مدخل قدس الأقداس، وترمز هذه السرج المملوءة بالزيت والتي يقوم هرون وأبناؤه بخدمتها إلى حضور الله"

3ـ مذبح البخور الذهبي
     كان مصنوعاً من خشب السنط ومغشى بذهب نقي طوله ذراع وعرضه ذراع فهو مربع وارتفاعه ذراعان وله إكليل من ذهب حواليه وله حلقتان من ذهب تحت إكليله على جانبيه لتكونا بيتين لعصوين لحمله بهما، والعصوان مصنوعتان من خشب السنط ومغشاتان بالذهب.



وكان هرون يوقد عليه بخوراً عطراً نقياً كل صباح حين يصلح السرج يوقده وفي العشية حين يصعد السرج يوقد بخوراً دائماً أمام الرب، وكان يأخذ النار من مذبح النحاس في مجمرة (لا16:12).

وكان ممنوعاً أن يوقد على مذبح الذهب بخور غريبة أو تقدم نار غريبة (لا9: 24، 10: 1)، كما كان ممنوعاً أن تقدم عليه محرقة أو يسكب عليه سكيب. وكان هرون يضع على قرونه من دم ذبيحة الخطية التي للكفارة مرة كل سنة في يوم الكفارة العظيم (لا 16)

     لقد تحدثنا عن مذبح النحاس الذي يشير إلى دينونة الإنسان وعدل الله وكيف أن يسوع المسيح قد وفى العدل الإلهي بموته على الصليب، فهذا المذبح كان ملتقى الخاطئ بالله واستحقاق دم المسيح. أما مذبح البخور الذهبي فهو المكان الذي منه تصعد رائحة قبول المسيح إلى عرش الله. فهنا نرى المسيح وهو يشبع قلب الله برائحة الرضى وكذلك يوقد نار الخدمة الكهنوتية.

ومن ناحية أخرى لقد أعطى الله الإنسان تبريراً كاملاً بدمه الكريم وأعطاه مركز الكاهن ليوقد بخوراً للرب أي صلوات وتسبيحات تقدم إلى الله دائماً كبخور تصعد إليه فيتنسمها الله ذاته.

"إن مذبح البخور يطلق عليه اسم مذبح مع أنه لا تقدم عليه ذبائح دموية، وذلك لأن الله يعتبر الحمد ذبيحة "ذابح الحمد يمجدني" (مز50: 23) "وليذبحوا له ذبائح الحمد" (مز107: 22)، ويعتبر اعتراف الشفاه ذبيحة "إقبل حسناً فنقدم عجول شفاهنا" (هو14: 2)، والصلاة ذبيحة "ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية" (مز 141: 2)، والتسبيح ذبيحة "فلنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح" (عب13: 15) "

·     ثالثاً: قدس الأقداس
لم يكن في قدس الأقداس إلا تابوت العهد وغطاؤه (كرسي الرحمة)، ويسمى تابوت الشهادة (خر 25: 22)، وتابوت العهد (عدد10: 30)، وتابوت الرب (يش 3: 13)، وتابوت الله (1صم 3:3) وكان مصنوعاً من خشب السنط ومغشى بذهب نقي من داخل ومن خارج طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف وعليه إكليل من ذهب حواليه وله أربع حلقات من ذهب موضوعة على قوائمه الأربع وموضوع في الحلقات عصوان من خشب السنط مغشاتان بالذهب ليحمل التابوت بهما والعصوان لا تنزعان أبداً من حلقات التابوت.


محتويات التابوت
1ـ لوحي الشهادة
وهما اللوحان المنحوتان من حجر وكُتب عليهما الوصايا العشر بإصبع الله بعد أن كسر موسى اللوحين الأولين عندما أبصر العجل الذهبي والشعب يرقصون حوله.

ووصايا الله تسمى "شهاداته" لأنها تشهد للشعب عن مطاليب الله، وتشهد ضده إذا كسرها. وفي رسالة العبرانيين يخبرنا الوحي أنه كان فيه أيضاً قسط من ذهب فيه المن وعصا هرون التي أفرخت ولوحا العهد.

"إن تابوت العهد هو أول وأهم ما تحدث به الله إلى موسى، ونلاحظ ذلك من خلال مركزه الخاص في خيمة الاجتماع فقد وضع داخل الحجاب في قدس الأقداس ليكون قاعدة عرش يهوه. فالتابوت كان الواسطة التي رتبها الله لصيانة ناموسه من الكسر في وسط شعب متمرد."

يرمز تابوت العهد إلى الرب يسوع، الله الظاهر في الجسد. ويرمز التابوت وغطاؤه إلى عرش الله في وسط شعبه. والمن الموجود في التابوت يشير إلى المن الحقيقي يسوع المسيح الذي يشبع ويطعم شعبه.

2ـ الغطاء "أو كرسي الرحمة"
كان غطاء التابوت قطعة واحة من ذهب نقي طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف ومنه على طرفيه كروبان من ذهب. كروب واحد على طرف الغطاء من هنا وكروب آخر على طرف الغطاء من هناك. والكروبان باسطان أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتهما على الغطاء ووجهاهما كل واحد إلى الآخر ونحو الغطاء وجهاهما والغطاء موضوع على التابوت من فوق.

وكان رئيس الكهنة يدخل إلى قدس الأقداس مرة واحدة في السنة في يوم الكفارة العظيم وينضح من دم ذبيحة الخطية على وجه الغطاء مرة واحدة إلى الشرق وسبع مرات قدامه. وكان الرب يجتمع بموسى ويتكلم معه من بين الكروبين (خر25: 22) وكان حلول مجد الرب بين الكروبين.
"إن التابوت وغطائه يشيران إلى المسيح وعمله ففي حياته نراه قد أكمل الناموس وعظمه، وبموته قدم كفارة (والكفارة معناها غطاء) لكل من يؤمن وهكذا تثبتت رحمة الله على أساس البر الكامل (رو 5: 21) والموضوع المناسب الذي صار الله يجتمع فيه مع الإنسان هو هذه النقطة التي فيها قد تقابل بره مع نعمته وحقه مع رحمته"
"الكلمة العبرية التي تطلق على الغطاء تفيد "كرسي الرحمة"، وتفيد "الكفارة"، وتفيد "الستر" فغطاء التابوت يشير أول كل شئ إلى المسيح الذي قدم نفسه كفارة، وعلى أساس كفارته أرسل الله نعمته إلى كل العالم قائلاً للبشر الخطاة هلموا "تصالحوا مع الله"






الفصل الثانيالدلالات الرمزية للمواد

     إن المؤمنين في كل الأجيال يحاولون بالذهن الروحي أن يكتشفوا الكنوز الروحية الموجودة في خيمة الاجتماع وما تشير إليه أجزاءها، ومع ذلك ستظل هناك أمور لن يستطيعوا أن يعرفوها لأنها كلها تحدثنا عن ابن الله غير المحدود "وليس أحد يعرف الابن إلا الآب" (مت 11: 27)، لذلك سنبحث عن الدلالات الرمزية للمواد المستخدمة في خيمة الاجتماع.

الذهب النقي: هو إشارة إلى الرب يسوع المسيح في مجده الإلهي. "كان التابوت مغشى بالذهب النقي صورة للاهوت المسيح"

الفضة: ترمز إلى الرب يسوع في قيمة فدائه "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب" (1بط 1: 18) وفي سفر الخروج يذكر ذلك بوضوح قائلاً أنها "فضة الكفارة" (خر30: 16)   

النحاس: يرمز إلى الرب يسوع الذي احتمل دينونة الله للخطية على الصليب، أو بعبارة أخرى رمز إلى البر بحسب مطالب الله من الإنسان.

خشب السنط: يرمز إلى الطبيعة الإنسانية للرب يسوع (الناسوت) "خشب السنط هو خشب غير قابل للفساد صورة لناسوت المسيح"

البوص: أي الكتان الأبيض النقي، وهو رمز إلى نقاوة يسوع المسيح القدوس الذي بلا عيب ولا دنس الذي لم تكن فيه خطية ولم يفعل خطية. كذلك يرمز أيضاً إلى عمل الروح القدس في حياة المؤمنين "لأن البز (الكتان) هو تبررات القديسين" (رؤ 19:  8 ).

الاسمانجوني: يرمز إلى الرب يسوع كالشخص السماوي، وكذلك إلى كل ما هو سماوي لأنه لون السماء الصافية " الإنسان الثاني الرب من السماء" (1كو 15: 47)

الأرجوان: يرمز إلى مجد الرب يسوع كملك الملوك ورب الأرباب.

القرمز: إشارة إلى تضحية الرب يسوع وسفك دمه على الصليب، وهذا واضح أيضاً من الحبل القرمزي (يش 2: 18، 21). ومن ناحية أخرى كان يرمز إلى مجد المسيح كملك لأن القرمز كان لباس الملوك في إسرائيل، فعندما استهزأ العسكر بالرب يسوع ألبسوه رداء قرمزياً وكانوا يجثون قدامه قائلين: السلام يا ملك اليهود (مت 27: 28، 29)

شعر المعزى: رمز للرب يسوع المسيح كالنبي لأن علامة النبي هي "ثوب من شعر" (زك 13: 4)، وفيه إشارة إلى دقة انفصال الرب يسوع عما كان حوله من الشر في العالم وشدة تمسكه بالحق. كذلك فيه إشارة إلى الرب يسوع كذبيحة خطية لأن تيس المعزى كان يقدم دائماً ذبيحة خطية.

جلود الكباش المحمرة: (أي المصبوغة باللون الأحمر). كان الكبش يقدم كذبيحة لتقديس الكهنة، وصبغه باللون الأحمر إشارة إلى الموت، والكبش أيضاً كان يقدم كذبيحة محرقة وفي هذا إشارة ورمز للرب يسوع الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة (أف 5: 2)

جلود التخس: هي جلود شديدة الاحتمال والمقاومة وكانت تستعمل كوقاية لمحتويات الخيمة وهي ترمز إلى الرب يسوع في ثباته في التمسك بالحق ومقاومته لكل هجمات العدو الذي حاول أن يثني عزمه عن السير في طريقه إلى الصليب.

الخبز: رمز إلى الرب يسوع "خبز الله النازل من السماء الواهب حياة للعالم" الذي قال عن نفسه "أنا هو خبز الحياة" (يو 6: 33، 35)

الزيت: يرمز إلى الروح القدس الذي مسح وامتلأ به الرب يسوع وظهر عمله كاملاً في حياته "من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك" (عب 1: 9)

الأطياب: لصنع دهن المسحة المقدس وهي المر القاطر، والقرفة العطرة، وقصب الذريرة، والسليخة (خر 30: 23، 24) وهي تشير للرب يسوع في نعمته وفي جماله "كل ثيابك مر وعود وسليخة" (مز 45: 8) وهي أربعة لأن الروح القدس يعلن لنا نعمته وأمجاده في الأناجيل الأربعة كالملك، والخادم، والإنسان الكامل، والابن الأزلي ابن الله.

الأعطار: لصنع البخور العطر وهي الميعة، والاظفار، والقنة العطرة، واللبان النقي وكانت تسحق ناعماً (خر 30: 34) وهي تشير إلى الرب يسوع في كمالاته المتنوعة التي ظهرت في حياته فوق الأرض، وفي موته على الصليب الذي أرضى الله وأشبع قلبه إذ "أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة"(أف 5: 2)

حجارة الجزع وحجارة الترصيع: تشير إلى أمجاد واستحقاقات يسوع المسيح المتنوعة منعكسة على قديسيه وهم فيها ظاهرون ومقبولون أمام الله." حجارة الجزع وحجارة الترصيع رمز لعظمة قيمة المؤمنين عند الله وذلك نتيجة علاقتهم بالمسيح"


الفصل الثالثدلالات الأرقام في خيمة الاجتماع

     يمتلئ الكتاب المقدس بالعديد من الأرقام، ولأنها ذُكرت في الكتاب المقدس فهذا يعني أن لها قيمة كبيرة ومدلول في نظر الله، وهنا سنبحث عن بعض الأرقام التي توجد في خيمة الاجتماع.

الرقم: واحد
يتحدث عن الوحدانية أو الانفرادية باستبعاد وجود آخر "الرب إلهنا رب واحد" (تث 6: 4)، وهو أيضاً يفيد الثبات وعدم التغير، كما يفيد الانسجام والترابط ويستبعد الخلاف والانقسام " ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد" (يو 17: 22)

إن كل هذه الأفكار مجتمعة معاً تعطينا فكرة عن الله كالمصدر الشخصي الأول والواحد لكل شئ، كلي الحكمة، كلي القدرة، عديم التغير.

الرقم: اثنان
يشير الرقم اثنان إلى الاختلاف "رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" (يع 1: 8)، ولكنه من الناحية الحسنة فهو يشير إلى الرفقة والشركة والتدعيم "اثنان خير من واحد... إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه" (جا4: 9ـ 12)

الرقم: ثلاثة
يشير هذا الرقم إلى الشهادة القوية " تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة" (مت 18: 16)، أما بالنسبة لخيمة الاجتماع فكان هناك:

·  ثلاثة أشخاص رُمز إليهم في الخيمة وهم:
       "الله: فقد ملأ محضره في قدس الأقداس مستقراً على غطاء التابوت
       المسيح: مرموزاً إليه من جهة لاهوته وناسوته وموته الكفاري كما يرى في التابوت وغطائه.
       الروح القدس: مرموزاً إليه بضوء المنارة الذهبية وزيت المسحة."

·  ثلاثة أجزاء تكونت منها الخيمة:
       قدس الأقداس ـ القدس ـ الدار الخارجية

·     ثلاثة معادن استخدمت في بناء الخيمة
       الذهب ـ الفضة ـ النحاس

·     ثلاثة سوائل استخدمت في خدمة الخيمة
       الدم (الكفارة) ـ الماء (كلمة الله) ـ الزيت (الروح القدس)

·   ثلاثة أشياء كانت في القدس
       مائدة خبز الوجوه (ترمز إلى المسيح طعام شعبه)
       المنارة الذهبية (ترمز إلى المسيح نور شعبه)
       مذبح الذهب (مكان السجود والشفاعة)

·     ثلاثة أشياء كانت في الدار الخارجية للخيمة
       باب الدار (يشير إلى المسيح الذي قال "أنا هو الباب")
       مذبح النحاس (يشير إلى لزوم ذبيحة كفارية)
       المرحضة النحاسية مملوءة بالماء (تشير إلى صفة التطهير التي لكلمة الله)

·   ثلاثة مداخل في الخيمة
       باب الدار (مدخل الخطاة)
       مدخل القدس (لأجل الكهنة)
       الحجاب الذي هو مدخل قدس الأقداس (لأجل رئيس الكهنة)

·   ثلاثة أنواع تقدم كذبائح وجميعها إشارات إلى موت المسيح
       من الماشية (عجل أو ثور)
       من الغنم (خروف أو معزى)
       من الطيور (حمام أو يمام)

·     ثلاثة ألوان استخدمت في الأستار
       أسمانجوني (اللون السماوي الذي يشير إلى المسيح الإنسان السماوي)
       أرجوان (اللون الإمبراطوري الذي يشير إلى المسيح ملك الملوك ورب الأرباب الذي سيحكم
      العالم كله)
      قرمز (اللون الملكي ويشير إلى المسيح ملك إسرائيل)

·      ثلاثة أشياء كانت في التابوت
قسط من ذهب فيه المن
عصا هرون التي أفرخت
لوحي العهد (الوصايا العشر)

العدد أربعة
يشير العدد أربعة إلى ما هو عام .. أي إلى كل العالم "أربعة أطراف الأرض" (إش 11: 12)، وفي خيمة الاجتماع كان هناك:

ـ أربعة أغطية للخيمة: شقق من بوص مبروم (كتان) واسمانجوني وقرمز ـ شقق من شعر معزى ـ شقق من جلود كباش ـ شقق من جلود تخس
ـ كان مذبح النحاس مربع القاعدة (يدعو للخلاص .. خلاص أربعة أطراف الأرض)

ـ أربعة قرون على زوايا المذبح (تؤكد لنا القوة والفاعلية)
ـ مذبح البخور الذهبي مربع القاعدة

ـ أربعة أعمدة كانت تحمل سجف باب الدار (رمز إلى تقديم إنجيل نعمة الله للعالم كله)
ـ إن عدد أفخر الأطياب أربعة (المر القاطرـ القرفة العطرة ـ قصب الذريرة ـ السليخة)
ـ عدد أعطار البخور العطر أربعة (ميعة، أظفار، قنة عطرة، لبان نقي)

الرقم خمسة
"الرقم خمسة هو رقم المسئولية. وهكذا مضاعفاته. وعلى ذلك نجد وصايا الناموس عشراً مكتوبة على لوحين، على كل لوح خمس وصايا إشارة إلى مسئولية الإنسان نحو الله ونحو أخيه الإنسان، وكذلك نجد عشر عذارى يمثلن المسئولية لانتظار رجوع العريس"

مذبح النحاس طوله خمسة أذرع وعرضه خمسة أذرع وهي تشير إلى أن الذبيحة يجب أن تقابل مسئولية الإنسان إذا أراد بركة.

الرقم سبعة
كان عدد سرج المنارة الذهبية سبعة
عدد القطع التي احتوتها الخيمة كان سبعة (التابوت ـ الغطاء ـ مائدة خبز الوجوه ـ المنارة الذهبية ـ مذبح النحاس ـ المرحضة النحاسية ـ مذبح البخور الذهبي)

الرقم اثنا عشر
وهو يشير إلى سياسة الله
اثنا عشر رغيف على مائدة خبز الوجوه تشير إلى تدبير الله في إعالة شعبه
اثنا عشر حجراً كريماً في صدرة رئيس الكهنة تشير إلى خدمة ربنا الحبية في استحضار شعبه إلى محضر الله.




الخاتمة
     ما أعظم طرق الله في التعامل مع خليقته، فهو لم يترك الإنسان وحيداً يتخبط في ظلمة الخطية، لكنه كان في كل زمن له تدبيرات خاصة، ومن ضمن هذه التدبيرات هو أمره لموسى بعمل خيمة الاجتماع لكي تكون له شركة وعلاقة مع الإنسان الذي خلقه على صورته. وبالفعل استطاع موسى رجل الله ووسيط العهد القديم أن يعمل خيمة الاجتماع كما أمره الرب.

لقد أصدر الله حكمه بالموت على الإنسان عندما أخطأ في جنة عدن، وكان لابد من وجود حل لهذا الأمر، والحل الوحيد كان في موت يسوع المسيح على الصليب وخلاص البشرية، ولذلك كانت هناك إشارات قوية في خيمة الاجتماع تشير إلى الرب يسوع المسيح الذي كان يعلن عن الفداء العظيم الذي سيقدمه من خلال موته الكفاري على الصليب، وكيفية خلاص الإنسان من خطاياه.

إن كل شخص كان يدخل إلى خيمة الاجتماع كان لابد أن يشاهد مذبح النحاس الذي يشير إلى الدينونة التي كانت عليه وأنه خاطئ ولا يوجد حل إلا من خلال تقديم الذبائح التي كانت ترمز إلى الذبيح العظيم يسوع المسيح.
والكهنة أيضاً كانوا لابد أن يتطهروا من خلال مرورهم بالمرحضة حيث كان لابد أن هرون وبنيه يغسلوا أيديهم وأرجلهم عند دخولهم إلى القدس لئلا يموتوا.

لقد كان موسى وحده له امتياز أن يقابل الله ويتلقى تعليماته عند كرسي الرحمة الذي يمثل عرش الله. ولا يمكن أن ننسى أن الكروبان كان وجهيهما نحو الغطاء (كرسي الرحمة) يتفرسان في دم الكفارة المرشوش الذي كان يقوم بنضحه رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، ذلك الدم الذي وفى كل مطاليب عرش الله، وهنا يمكن القول أن "الرحمة والحق تلاقيا البر والسلام تلاثما" (مز 85: 10). ولذلك يحني الكروبان رأسيهما مؤيدين تقديم رحمة الله ونعمته لكل من يتقدم واثقاً في الدم.

والعجيب أن الله قدم من خلال خيمة الاجتماع والمواد والأجزاء الموجودة فيها رموزاً دقيقة جداً حتى أن الأرقام والأعداد كلها لها إشارات عظيمة وعميقة جداً، فكل كلمة قالها الله في وصف خيمة الاجتماع لم تكن هباء بل لها معاني قوية ورائعة. ونتيجة لذلك وبعد أن اكتمل عمل خيمة الاجتماع قال الوحي" ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع" (خر40: 34)

وفي النهاية أرجو أن أكون قد وفقت في كتابة هذا البحث، وكل هذا لا يمثل نقطة في بحر كلمة الله العميقة جداً.   
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة