أنا الكرمة الحقيقية الدرس الثاني والثلاثون منهج دراسة الاناجيل
أنا الكرمة الحقيقية الدرس الثاني والثلاثون منهج دراسة الاناجيل
الدرس الثاني والثلاثون
أنا
الكرمة الحقيقية
القراءات:
يوحنا 15: 1ـ17& 1يوحنا 3: 6 ، 4: 16 & مزمور80:
8 ـ 19 & إشعياء 5: 1ـ 7 ، 27: 2 ، 3 & إرميا 2: 21
آيات الدرس:
ـ "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام" يوحنا
15: 1
ـ "منْ يحفظ وصاياه يثبت فيه ... بهذا نعرف أنه
يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" 1يوحنا 3: 24
ـ "ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل
للحزن وأما أخيراً فيعطى الذين يتدربون به ثمر بر للسلام" عبرانيين 12: 11
آيات آخر أثرت في الدارس:
ـ ---------------------------------------
ـ ---------------------------------------
ـ ---------------------------------------
مقدمة
في تلك الليلة
الأخيرة والرهيبة من حياة وخدمة يسوع المسيح على الأرض تكلم المسيح إلى تلاميذه
قبل العشاء الأخير، وبعده بكل الأحاديث المؤثرة والفياضة بالمعاني العميقة وذلك في
إنجيل يوحنا على مدار أربعة إصحاحات من 13 ـ 16 .
وهذه الليلة كانت هي نفسها ليلة عيد الفصح، حيث يحتفل
اليهود بذكرى إنقاذهم من يد فرعون، فصنع يسوع معهم وأمامهم نموذج الاحتفال بذكرى
فداءه هو وموته الذي كان سيتم فعلياً بعد ساعات قليلة. وفي هذه الأثناء، أخذ خبزاً
وشكر وكسَّر ودعاهم لأن يأكلوا جميعهم (ما عدا يهوذا) من الخبز وقال لهم هذا هو
جسدي، ثم دعاهم أن يشربوا من كأس كان بها "عصير عنب" بعد أن شكر أيضاً
وقال لهم هذا هو دمي الذي يسفك من أجل كثيرين.
بعد هذا الاحتفال مباشرة خرجوا من "العلية"
وغالباً نظروا أيضاً على الطبيعة الكروم (مزارع العنب)، فقدم المسيح لهم أعلاناً
جديداً عن ذاته قائلاً: "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام" (يوحنا 15: 1 )
وبحسب كل الدراسات الدقيقة في اللغة اليونانية التي كُتب
بها العهد الجديد أصلاً، فإن النص جاء: "أنا هو الكرمة الحقيقية"
حيث "أنا هو" هو لقب "يهوه" الذي معناه "أنا
الكائن" أو "أنا الكائن بذاتي" وهذا الإعلان له أبعاد هامة سواء في
زمن ما قبل تجسد "الكلمة" أو بعد التجسد وإلى الآن أيضاً.
مضمون الإعلان
رأينا أن المسيح هو "الخبز الحقيقي" و
"النور" الحقيقي والراعي الصالح وأنه الحق و ... و ... ، ثم هنا، هو
يعلن أنه هو "الكرمة الحقيقية" فهل يعني ذلك أن هناك خبز مزيف ونور مزيف
ورعاة مزيفون وحق مزيف؟ نعم هذا موجود بالفعل، ولكن كلام المسيح يعني ما هو أهم
وأكثر من ذلك فهو يقصد أن منه ومعه وعنده :
ـ ما هو أصلي منذ الأزل
ـ ما هو ثابت وتأثيره أبدي
ـ ما يحقق مسرة قلب الآب
ـ ما تتبارك به حياة الإنسان هنا على
الأرض وأيضاً بعد انتهاء رحلته على
الأرض.
ولذلك فهو حينما يعلن أنا الكرمة الحقيقية، يقصد
التصريح بأنه هو بذاته (وهو وحده) الكرمة الروحية الأصلية الكاملة التي أتت من
السماء في ظل حضور مجيد للآب السماوي (الكرام)، لكي تنبت من هذه الكرمة أغصاناً
(هم أبناء الله الحقيقيين) وأن تمتد هذه الكرمة بأغصانها وأثمارها لتنتشر في كل
الأرض معلنة عن روعة منظومة سماوية فيها الكرمة (الابن) والكرام (الآب) والأغصان
المثمرة (نحن أولاد الله)، وكل ذلك بالروح القدس الذي يهبُ على هذه الكرمة بنسمته
المميَّزة (نشيد الإنشاد 4: 16 & أعمال 2: 1ـ 4)
وهو نموذج للإتحاد المدهش، والشركة القوية بين الرب
الجليل ونفوسنا البشرية الضعيفة. وهذا هو المضمون الروحي للإعلان عن الكرمة
الحقيقية.
ما هي الكرمة؟
الكرمة هي
مزرعة العنب، وهي تختلف عن كل المزروعات الأخرى، إذ هي ساق تخرج منها الأغصان التي
تمتد، وتترابط معاً على شكل تكعيبة (أو تعريشة) في كل الاتجاهات من خلال دعامات أو
مساند، ليكون بينها وبين بعضها مسافات تسمح بتمتع كل الأغصان بهبوب تيارات الهواء
ودورانه أيضاً فلا يحجب أي غصن الهواء عن غصن آخر، وكذلك ينال كل غصن تأثيرات أشعة
الشمس.
و"العنب" الذي تنتجه الكرمة من خلال الأغصان
طعمه لذيذ وهو مغذي أيضاً ويمكن عصره وعمل مشروب عصير منه، وقد كان يسمى
"خمر" حتى لو كان قد تم عصره منذ لحظات، وقديماً كان هو الفاكهة الوحيدة
التي كانت تعصر وتقدم للانتعاش وليس للسُكر.
إن منظر أشجار مثمرة هو من أجمل المناظر التي تجلب
السرور للعيون والقلوب، وبالطبع كم تجلب من الرضا والارتياح لمن هو صاحب تلك الأشجار.
و"الكرمة" هي من النباتات التي بغرسها
والعناية بها، دائماً ما تأتي بالثمر الوفير المتجدد حتى قيل عن ثمرها أنه:
"... يُفرح الله والناس ..." (قضاة 9: 13)، كما قد أشار الوحي بأن
الجلوس تحتها وكذلك تحت أشجار التين يمثل حياة السلام والاستقرار (1ملوك 4: 25
& زكريا 3: 10) لذلك دعا الله في العهد القديم بني إسرائيل "كرمة"
وكان هناك قصد من وراء تلك الدعوة، ولكن للأسف فلقد أخفق هذا الشعب في أن يكون
كرمة الله على الأرض، واستمر هذا الإخفاق إلى أن جاء المسيح كرمة الله السماوية،
وهذا ما سنتفهمه الآن..
أولاً: كرمة بني إسرائيل القديمة
من طرق الرب،
التي كلها سمو وصلاح، إعطاء الفرصة لخليقته أن تنال امتيازات لتخوض بها رحلة
الحياة، وبحكم العلاقة والشركة الحبية مع الله، تتمتع بتلك الامتيازات وأيضاً تمجد
الله وتشكره، وقديماً.. حين بدأ الرب معاملاته مع إبراهيم وهو واحد (إشعياء 51:
2)، وكان هذا نعمة عظيمة من الله قابلها إبراهيم أيضاً بالإيمان والطاعة الكاملة،
وامتلأت حياة إبراهيم بالبركات الإلهية التي كان من ضمنها وعلى رأسها أن الله قد
أنشأ من نسله الأمة الرئيسية التي أراد لها أن تكون كإبراهيم في الإيمان والطاعة،
وكان قصد الله من ذلك كله أن هذه الأمة تكون "كرمة الله على الأرض"
أي سبب فرح لسكان الأرض عندما يكون إيمانهم وطاعتهم قدوة تشجع باقي شعوب
الأرض على معرفة الله والإيمان به والطاعة لجلاله.
إن الله لم يسكت عن التحدث عن هذا القصد، بل تكلم عنه
كما لو كان أمنية غالية جداً لديه، وحين نقرأ أقوال الوحي المقدس عن هذا القصد
والأمنية سنجد نغمة حزينة (رثاء) صدرت من قلب الله على ما آلت إليه حال تلك الكرمة
وكونها قد ضيعت على نفسها كل امتياز ثمين كان قد أُعطي لها:
|
الامتياز المعُطى
|
الحالة البائسة
|
أ
|
كرمة من مصر نقلت طردت أمماً وغرستها هيأت قدامها
فأصلت أصولها فملأت الأرض غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز لبنان مدت قضبانها إلى
البحر وإلى النهر فروعها مزمور 80: 8ـ 10
|
فلماذا هدمت جدرانها، فيقطفها كل عابري الطريق يفسدها
الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية مزمور 80: 11ـ 13
|
ب
|
"لأنشدن عن حبيبي نشيد محبيَّ لكرمه كان لحبيبي
كرم على أكمة خصبة فنقبه ونقى حجارته وغرسه كرم سورق وبنى برجاً في وسطه ونقر
فيه أيضاً معصرة فانتظر أن يصنع عنباً ..." (إشعياء 5: 1، 2)
|
"... فصنع عنباً رديئاً ...." (إشعياء 5: 2
ـ 6)
|
ج
|
"وأنا قد غرستك كرمة سورق (أي مختارة ومن نوعية
ممتازة) زرع حق كلها (أي بذورها سليمة وكاملة) (إرميا 2: 21 أ)
|
"... فكيف تحولت لي سروغ جفنة (أي كرمة)
غريبة" (إرميا 2: 21 ب)
|
ملامح الكرمة التي يبست
إن استغراب الرب لما حدث لكرمة بني إسرائيل لم يكن يعني أن الأمر كان
مفاجئة لجلاله، إذ هو الذي أعطى نبوة واضحة تماماً عن ذلك خلال "موسى"
النبي بما سيحدث لتلك الكرمة فقد شبههم بجفنة (أي كرمة) سدوم وعمورة، مُدن الشرور والشذوذ
والأنانية وحياة الزيف والانخداع، فقال الرب عن شعب بني إسرائيل في تلك النبوة القديمة:
"لأن من جفنة (أي كرمة) سدوم جفنتهم و
من كروم عمورة عنبهم عنب سم و لهم عناقيد مرارة. خمرهم حمة الثعابين و سم الاصلال القاتل.(تثنية
32: 32، 33)
والآن ..
سوف نرى في السطور التالية ملخص بسيط جداً بسببه تدهورت
أحوال تلك الكرمة، بل يبست أيضاً وصارت حتمية تغييرها أمراً لا مفر منه:
1ـ تكرار الخطايا
كانوا يخرجون من خطيئة ليسقطوا في خطايا أخرى وهذا الأمر
كان إهانة للرب لأنه يعني عدم مراعاة مخافته، حتى قال الرب بحزن: "جربوني عشر
مرات" (عدد 14: 22)
2ـ التمرد والعصيان
هذا الأمر كان يحدث مراراً وتكراراً، وبالطبع ضايقوا
الرب به "وأما من جهة إسرائيل فيقول "طول النهار ـ أي كل يوم ـ بسطت يدي
إلى شعب معاند ومقاوم" رومية 10: 21
3ـ التراجع عن الإيمان
إذ كثيراً ما كانوا يميلون إلى العبادات الوثنية، وهذا
الأمر كان بالطبع يُغيظ الرب جداً (تثنية 32: 21 & إرميا 2: 27)
4ـ تكريس الإمكانيات للأباطيل
فلقد فاض الرب عليهم بالخيرات المتنوعة، فقاموا
باستخدامها في صنع مذابح للآلهة الغريبة وعمل سواري تشير لتلك الآلهة (هوشع 10: 1)
5ـ انتشار الظلم والاغتصاب والسحق
وهي سلوكيات شريرة يرفضها الله تماماً تحت أي مسمى وبأي
صورة ومع ذلك فقد انتشرت بينهم لتشوه صورتهم لتشبههم بأسوأ ما كان لدى الأمم الأخرى
(إشعياء 5: 7)
ولذلك حين نحّاهم الرب من أن يكونوا كرمته على الأرض فلم
يكن ذلك من فراغ، لكن لأن الله إله عادل وليس عنده محاباة، لا لإنسان ولا لشعب
مهما كان، وفي درس بليغ لكل إنسان ولكل أمة على الأرض.
ثانياً الكرمة المبهجة
رغم أن الله قد أعلن عن ألمه بسبب كرمة بني إسرائيل التي
يبست وفقدت كل الفرص والإمكانيات التي أعطيت لها، ولم تمجد الله ـ باستثناء بعض
الأتقياء كأفراد ـ لكن كلمات نبوية ثمينة قد نطق بها أنبياء من نفس الشعب عن
استمرار مخطط الله، أي أن يكون له كرمة مبهجة على الأرض ليست من اليهود ولا أي شعب
آخر، بل من خلال شخصية يسوع المسيح وحده، فبعد أن تكلمت نبوءة مزمور 80 عن ضياع
الكرمة اليهودية قال الوحي: "لتكن يدك على رجل يمينك، وعلى ابن آدم الذي
اخترته لنفسك" (مزمور 80: 17)
"اليمين" إشارة
إلى قوة الله، وإلى الرفعة، والسمو، والنعم، والبر وهذا ما كان مطبقاً على المسيح
تماماً وعلى المسيح وحده، فقد كان مملوءاً من القوة الطاهرة، وعندما صعد إلى
السماء جلس عن يمين الآب إعلاناً عن سموه العظيم.(مزمور 110: 1 & متى 22: 44
& مرقس 16: 19 & أعمال 7: 55 & متى 26: 64 & عبرانيين 1: 3، 8: 1،
12: 2 & مزمور 89: 13)
"اخترته لنفسك" ليس هذا اختيار من بين
آخرين مشابهين، بل اختيار القيام بالتجسد وإشباع قلب الآب السماوي، وهذا أيضاً ما
انطبق بالكامل على يسوع المسيح لأنه هو الوحيد أيضاً الذي به سُرَّ قلب الآب ورضى
عنا من خلاله بسبب قبوله التجسد، وسمو سيرته، وطاعته الكاملة، ولذا كان سرور الآب
عظيماً (يوحنا 8: 29& فيلبي 2: 8 & إشعياء 42: 1 & متى 3: 17)
على مدى 2000 سنة ظلت هذه الكرمة ـ روحياً ـ وستظل سبب
فرح للآب وللسمائيين.. نجح مخطط الله أن تكون له كرمة مبهجة وجميلة مملوءة
بالأغصان التي ثمارها كثيرة بسبب أن عصارة حياة الكرمة تتدفق وتسري في كل غصن
منها، وستستمر إلى نهاية الزمان، وهذا يرينا أن الله لا يفشل أبداً، ولا تسقط
مخططاته، وهو لا يلغي فكره بل يتممه بأروع ما يكون الإتمام مهما كان تردد أو رجوع
الكثيرين عن فكره وقصده.
الكرام الأعظم
الآب .. هو
الله أبونا، الذي يحبنا جداً بدليل أنه خلقنا وأوجدنا من العدم، ثم افتدانا أيضاً
عندما قدم يسوع المسيح ابنه ذبيحة لأجلنا، وهو يحب الابن ويحب كل من نبتوا كأغصان
منه فهو "الكرمة الحقيقية" المبهجة له، وكما أن "الكرام"
كثيراً ما يمر على الكرمة، وقد يقضي اليوم كله متجولاً بين الأغصان متوقفاً عند كل
غصن بمفرده ليتابع نموه ومدى نضوجه، وكذلك يقوم بضبط وضع الغصن، فمثلاً يعدله إن
كان ملفوفاً حول ذاته، أو متشابك مع غصن آخر. هكذا الآب السماوي في متابعته لنا،
وكل ذلك لكي نكون مهيئين للإثمار أمام جلاله، وتوجد حالتين للأغصان يجدهما الكرام،
وله طريقة تعامل مع كل حالة:
الحالة الأولى: غصن لا يثمر
إن كلمات المسيح: "كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر
ينزعه..." (يوحنا 15: 2 ب) .
·
فِهم النزع والطرح
"إن كان
أحد لا يثبت فيَّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار
فيحترق" (يوحنا 15: 6)
ينبغي أن نفهم معنى النزع والطرح على ضوء روح كلمة الله
بمعنى: إن الآب لا يبدأ إطلاقاً في نزع وطرح الغصن غير المثمر بل يظل يتعامل معه
من يوم إلى يوم، ومن وقت إلى آخر، وبكل الطرق والوسائل لكي يعطيه الفرصة أن يثمر
ويظل موجوداً في الكرمة، وحتى لو كان الغصن قد انحنى وسقط على الأرض أو الطين فإنه
يرفعه ويطهره من الوحل ويسنده بدعامات لكي تدب فيه الحياة من عصارة الكرمة، ويبتدئ
يثمر، والدليل على ذلك هو المثل الذي ذكره المسيح في لوقا 13: 6 ـ 9 عن شجرة تين
واحدة كانت مغروسة في مزرعة، والذي ينتهي بهذا الرجاء في الإثمار "...
يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلاً ـ أي سماد ـ فإن صنعت
ثمراً، وإلا ففيما بعد تقطعها"، إذاً القطع هو أخر تصرف إلهي.
لكن ما هي طريقة الرب في تعامله مع الشخص غير المثمر؟
إنه
: ينبهه بتحنن ولطف
فإن لم يستجيب : ينذره بأن الخطر محيط به
فإن لم يستجيب : يهدده بأنه سيُنتزع من الكرمة قريباً
فإن لم يستجيب : ينزعه فعلاً ويتركه لمصيره الأليم.
·
سبب النزع والطرح
إن الكرمة
الحقيقية غالية ومهيبة، فهي ليست مثل شجر البلوط أو أرز لبنان، بل هي الشجرة
الوحيدة التي تُربط بالوتد وتدمي لتبارك الأغصان بعصارتها لكي تثمر، ويسوع المسيح
قد نزف الدم من كل كيانه لأجلنا حتى نكون أغصاناً مثمرة في كرمته، ولكن الغصن غير
المثمر يشغل مكاناً ويعطل أو يقلل تدفق العصارة إلى بقية الأغصان، وذلك إهدار لتلك
العصارة.
النزع:
يحدث النزع مع بعض النفوس التي يرى الرب أنه لا يوجد في
حياتها أي استعداد أو رغبة في التجاوب مع نعمته للإثمار بل والاستعداد لعمل
الخطيئة ولذلك، فبعد استنفاد كل وسائله الخاصة التي تكلمنا عنها يضطر الرب إلى
استبعاد ذلك الغصن من الكرمة، وهذا قد يعني :
أـ إنهاء رحلة الحياة مبكراً
ب ـ الإبعاد عن دوائر العمل الروحي الحقيقي إلى أن تنتهي
الحياة ليخلص كما بنار. وهذا هو النزع، ولا ينبغي أن نستغرب من هذا الكلام، لأنه
متفق مع روح المكتوب ومواقف كتابية واضحة تماماً في العهدين ، فمثلاً قال الرب في
العهد القديم عن أحد ملوك شعب الله بعد أن حاد هذا الملك عن الله " حي أنا يقول الرب ولو كان كنياهو بن
يهوياقيم ملك يهوذا خاتماً على يدي اليمنى فإني من هناك أنزعك" (إرميا 22: 24) ، وقال بولس الرسول "إن احترق عمل
أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار" (1كورنثوس 3: 15)
الطرح:
إن كون الإنسان لا يقبل التغيير، ويعطل الآخرين أيضاً عن
الإثمار أو النجاح ويعمل على إفساد وتعثير غيره ـ أي الدفع بالآخرين إلى الخطيئة ـ
فهذا سيستبعده الرب أيضاً، إذ ستلفظه الكرمة والأغصان، وسيكون مصيره بعد الموت هو
الموت الثاني أي الهلاك والدمار الأبديين، وهذا هو المفهوم من عبارة "...يجف
ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق" (يوحنا 15: 6)، وهو مصير في غاية السوء،
يذهب البعض إليه عندما يتحولوا التحول
السئ .. أي التراجع من النور إلى الظلام، ومن البر إلى الإثم، مثل يهوذا
الذي كان واحداً من الاثنى عشر تلميذاً، وكان مدعواً دعوة شخصية مثل باقي الرسل.
راجع الملحق الخاص بأمثلة من الذين ينطبق عليهم يوحنا
15: 6 بالتحديد في صفحة 33
إن هذا يُحزن الآب كثيراً جداً، لكنه لا يمكن أن يكسر
إرادة الإنسان الحرة ليُجبره على الصلاح والإثمار، ولذلك نحن نشكر الرب يسوع الذي
أوضح لنا حقيقة الأوضاع ونتائجها على طبيعتها لكي نعود نفكر بطريقة أخرى جديدة.
الحالة الثانية: الغصن المثمر
إن إرادة
"الآب" وتطلعاته العظمى هي أن يرى كل غصن مثمراً بدرجة التميز، ولكن
تحقيق هذا التميز في حياة الغصن (الإنسان) المثمر سيحتاج إلى نوع خاص من التعامل
أو التنقية مهما كان الثمر واضح في الغصن، هذا التعامل أو التنقية تُعرف في عالم
المحاصيل بـ : التقليم أو التشذيب
الكلمة والمقص
إن التقليم أو التشذيب يتم أولاً من خلال "كلمة
المسيح" ثم ومع استمرار إرسال المسيح لكلمته يأتي وقت ثانياً: وهو استعمال
"مقص أو سكين الآب" فقد قال يسوع لتلاميذه "أنتم الآن أنقياء لسبب
الكلام الذي كلمتكم به" (ع 3) بمعنى أن هذه هي مادة التنقية للغصن نفسه ليكون
سليماً وحيى يبتدئ يأتي بثمر، وهذه المادة "كلام المسيح" ينبغي أن
نقرأها بتمعن، ونستمع إليها بانتباه وتركيز، ونسلك فيها بكل أمانة وجدية كل أيام
حياتنا.
وعندما يبتدئ الثمر يظهر في حياتنا، ويتوالى، فإنه
كثيراً ما تظهر على حياتنا (أو في حياتنا) ما يشابه البروزات والزوائد والعقد التي
تظهر على الغصن المثمر .. هذه إن وجدت ولم تُستأصل فإنها ستمتص معظم العصارة التي
تغذى الغصن لكي يثمر، وتقلل جداً من ظهور الثمر وقد تترك الغصن جافاً، وفي نفس
الوقت كل هذه البروزات والزوائد والعقد هي بلا قيمة، فتضيع نقاوة الغصن في ظل كل
ما ليس له قيمة على الإطلاق. هذا يمثل علامات لا تُسر الآب أبداً، وهي تصاحب ظهور
الثمر لكن بعد ذلك تُعطله تماماً ، بل وقد تدفنه فيها.
هذا يمثل ظهور كبرياء ـ زهو بالنفس ـ اعتداد بالذات ـ
حباً للمال ـ الاعتداد بدور معين يجد الإنسان فيه نفسه وانسجامه ويكون عليه في وقت
ما أن يتركه، وقد يكون التعلق بأي شئ لدينا يصبح في غلاوة اسحق لدى إبراهيم، ولذلك
يتدخل الآب "الكرام"
·
تدخلات الآب
حماية للغصن
من الجفاف وفقدان الثمر يتدخل الآب، فيقوم بالمقص أو السكين بنزع كل البروزات
والزوائد والعقد التي ذكرنا أمثلة لها.. أما المقص أو السكين فهو يرمز إلى إرسال
امتحانات متنوعة من حين لآخر بها يستأصل المعطلات من كياننا الذي يهتم به جداً
ورغم أنه يمسك بالمقص أو السكين بيد لإتمام التقليم إلا أنه في نفس الوقت يكون
سانداً الغصن ومداوياً أي جرح يأتي منه نزف لكي يحفظ للغصن بقاءه حياً ويكون له
مستقبل باهر في الإثمار، أي أن هناك جرح وأيضاً شفاء "لأنه هو يجرح ويعصب ،
يسحق ويداه تشفيان" (أيوب 5: 18)، ولأنه يحبنا ، لذلك يجب أن يتجه كل فكرنا
إلى قول الوحي "أمينة هي جروح المحب ..." (أمثال 27: 6).
أما نحن كأغصان نريد أن نكون مثمرين فعلينا أن نخضع لفعل
هذه المعاملات الضرورية، ولا نرفضها ولا نمل من حدوثها لأنها مثل تهذيب (تأديب)
آباءنا لنا والتي يقول عنها الوحي "قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا
نهابهم أفلا نخضع بالأولى جداً لأبي الأرواح فنحيا" (عبرانيين 12: 9) ،
فشكراً للآب المحب الذي يقوم بتقليمنا لتنتج حياتنا أشهى الثمار لجلاله المستحق.
نوع الثمر
مالئاً كل غصن
من أغصان الكرمة الغالية فهذا هو الهدف من تلك الأغصان. توجد بذار عندما تنبت تصير
أشجار تنتج أخشاباً تصلح للأثاثات وغيرها من الاستخدامات ، وبعض النباتات تنتج
عيدان يمكن أن تستخدم في التدفئة، لكن الأغصان التي تنشأ من الكرمة وُجدت لكي تنتج
عنباً جيداً يمكن أن يؤكل أو يصنع منه زبيب أو يُعمل منه عصير، وهو في جميع الأحوال
ثمراً جيداً لذيذاً ومغذياً ومنعشاً، وبدون ذلك فإن الأغصان تصبح عبئاً لا يُحتمل،
وهذا أمر غريب، لأن الكرمة الحقيقية نفسها هي في حد ذاتها مثمرة .. فتجسد المسيح
قد أثمر وحياته قد أثمرت وكذلك أعماله وأقواله وموته وقيامته وصعوده، من كل وجه
وفي كل وضع هي كرمة مثمرة، ونحن أغصان في هذه الكرمة الرائعة، ولذلك فانتظار
الكرام للثمر الجيد هو أمر طبيعي جداً، وحق أكيد وبذلك يتمجد الآب "الكرام
الأعظم"
ترى .. ما هو الثمر الذي ينتظر ويطلب الآب أن يراه فينا؟
1) صفات المسيح
إن خصائص أو صفات المسيح هي ما يسميه الوحي "ثمر
الروح" مثل : المحبة، والفرح ، والسلام، وطول الأناة (الصبر) ، واللطف،
والصلاح، والإيمان (أو الأمانة)، والوداعة، والتعفف (غلاطية 5: 22، 23) فهذه
الخصائص وغيرها أيضاً كانت واضحة وبوفرة في شخصية المسيح، والله ينقلها لنا بالروح
القدس، ولذلك سُميت بـ "ثمر الروح" ، وكما فرح الآب وتمجد إذ
كانت موجودة في المسيح، يفرح أيضاً ويتمجد إذ يراها فينا سواء في كلماتنا
أو سلوكنا أو ردود أفعالنا، ولاسيما عند المواقف العصيبة مثل: المرض
ـ الاحتياج ـ التعرض لانتقاد لاذع ـ محاولات الآخرين لتعطيلنا أو تعطيل مصالحنا
الشخصية وغيرها من المواقف المضادة.، ويزداد فرحه وتمجيده إذ يرى هذا الثمر كله
فينا وعلى الدوام وليس في بعض المواسم، ولذلك إذا اختفى نوع من هذا الثمر
يجب أن نفكر ونبحث بكل جدية حتى نفهم لماذا اختفى، ونصلي لأن يزول منا سبب
الاختفاء وليس أن يزول من الآخرين أو من الظروف الخارجية لأن علاقتنا الأساسية
والنهائية هي بالكرمة الحقيقية لا بالبيئة ولا بأي وضع آخر في الوجود سواء ديني أو
اجتماعي، فثمر الكرمة هو مميز، وطعم الحياة في المسيح مميز جداً في أي وضع أو مكان
أو زمان.
2) أعمال الله
يثمر الارتباط بالكرمة الحقيقية أعمالاً حية حقيقية ـ
وليس مجرد "نيات" ـ متنوعة بحسب المكان والزمان والموقف والقيادة
الإلهية، وأفضل تسمية ومضمون لها أنه "... بالله معمولة" (يوحنا 3: 21)
وبغض النظر عن كونها بسيطة أو كبيرة فالشئ الهام أننا نفعلها بدوافع نقية ومن
القلب أيضاً وبغرض تمجيد الله لا ذواتنا ولا حتى مذهبنا، والعجيب أن الإنسان كلما
اشتاق أن يثمر أعمالاً تمجد الآب سيجد دائماً أن الله يهيئ وقت القيام بتلك
الأعمال ويرشد الإنسان إلى الطريقة التي يتمم بها العمل، ثم أنه بعد ذلك يجد
الإنسان نفسه مقدماً الشكر والحمد للرب لأنه أتاح له فرصة العمل المثمر، وفي الحقيقة
فإن الإنسان في إيمانه الحقيقي يعمل ليس في ظل منافسة لأحد (فيلبي 1: 15 ـ 17)،
ولا تقليداً لأحد (أعمال 19: 13) بل في انقياد بالروح القدس لتتميم مسرة مشيئة
الله بكل تواضع ويقين بقوة النعمة التي تؤازره، حينئذ يتمجد الآب.
تميَّز ثمر الأغصان
إن العناية التي
يقدمها الآب للأغصان هي عناية تامة وفائقة، والعصارة التي تدفقها الكرمة للأغصان
هي حياة المسيح المتميزة، ولذا فثمر كل غصن في الكرمة ينبغي أيضاً أن يكون متميز..
فبماذا يتميز؟
أ ـ الوفرة
أي ثمراً يملأ سلالاً إلى قمتها، ويؤكد على هذا الأمر
كلمات الرب يسوع في (يوحنا 15: 2) "ثمر أكثر"، (يوحنا 15: 5، 8)
"ثمر كثير"، فليس تواضعاً منا الرضا بأن يكون (أو يظل) إثمارنا قليلاً
إذ يقول أصحاب مزارع العنب (الكروم) أن بعض الأغصان يمكن أن يصل طولها إلى 150
متر، وبالطبع على مدى هذا الطول أثماراً مبهجة، ولذا بعد كلمات الرب يسوع نلتقي
بتشجيعات ونداءات بولس الرسول مثل قوله: "... تزدادون في كل عمل صالح"
(2كونثوس 9: 8) ، وعن نفسه يقول: "... استعبدت نفسي للجميع لأربح
الأكثرين" (1كو 9: 19) فهيا إلى مناداة ومناجاة الرب ليمنحنا كل إمكانية وكل
فرصة لنثمر بوفرة ونقدم له كل الثمر ليتمجد الآب بالابن.
ب ـ الدوام
الإثمار الذي يمجد الآب ويبهجه هو الإثمار الدائم، لأن
الإثمار المتقطع أي الذي يحدث في أوقات ومناسبات ثم يتوقف بعد ذلك في أخرى ثم يعود
ثم ينقطع فهذا يشبه صنبور ماء مفتوح تارة يأتي بالماء ثم يتوقف ويتكرر ذلك .. هذا
شئ محير وممل لأن دعوة المسيح وتكليفه لنا هو "... أنا اخترتكم وأقمتكم
لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم..." (يوحنا 15: 16) .
مثلاً : من ضمن ثمر شفاهنا :التسبيح.. فماذا يقول الوحي
سواء في العهد القديم أوالجديد عن ذلك؟
على فم داود النبي يقول الوحي " أبارك الرب في كل
حين دائماً تسبيحه في فمي" (مزمور 34: 1)، وفي الرسالة إلى العبرانيين يقول
"فلنقدم به ـ أي بالمسيح ـ في كل حين لـ الله ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه
معترفة باسمه" (عبرانيين 13: 15) وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في صنع البر
(مزمور 106: 3) ، والطاعة (فيلبي 2: 12) ولهذا إذا رأينا تقطعاً أو توقفاً في
تقديم الأثمار لـ الله فينبغي فحص الأمر وحسمه أيضاً.
ج) الجودة
بل هو في
الحقيقة من أجود ما يكون الثمر، فإن الكرمة الآن .. ليس هو أمة مثل بني إسرائيل،
ولا أمة أخرى، بل هو "الابن" البكر .. يسوع المسيح البار، إذاً لابد وأن
يكون الثمر الآتي من الأغصان ممتاز جداً أي فيه (أو به) نفس طبيعة الكرمة، ولنأخذ
مثالاً لثمرة واحدة من ثمر الكرمة وليكن المحبة (أول قائمة ثمر الروح في غلاطية 5:
22)، ماذا قال المسيح عنها " هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما
أحببتكم ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحباءه" (يوحنا
15: 12، 13) ، إذا المحبة كثمر تفيض بها حياتنا ينبغي أن لا تكون مجرد كلام أو
مظهر خارجي يخفي أموراً أخرى، كما أنها ليست قشرة المحبة بل الثمرة بكاملها أي
فيها التضحية القلبية والعملية بكل سرور ورضا وتلك هي محبة المسيح نفسه عندما قدم
نفسه ذبيحة من أجلنا .. هذه هي أجود أنواع المحبة، وقديماً مدح العريس (المسيح)
عروسته (الكنيسة وكل فرد فيها) على النوعية الجديدة لمحبتها فقال لها: "كم
محبتك أطيب من الخمر" (نشيد الإنشاد 4: 10) .. هذا دليل على الجودة، وفي موضع
يقول لها عن ثمر شفتيها "... حنكك كأجود الخمر" (نشيد الإنشاد 7: 9)
فحقاً إن الارتباط والانتساب للكرمة الحقيقية سوف يجعل أغصاننا تحمل أجود الثمار
لأنه من قلبها تسري فينا العصارة الحية المقدسة، وبهذا يتمجد الآب لأننا بهذه
الصورة نكون فعلاً تلاميذ حقيقيين للمسيح كما أعلن هو عن ذلك في يوحنا 15: 8
الثبات
المسئولية المحورية
لفهم نداء
المسيح لنا بـ "أثبتوا فيَّ" دعونا نتصور مدى الألم الذي يمكن أن نعانيه
لو أننا اشترينا ثوباً ذو ألوان مميزة ومقاس معين ودفعنا فيه ثمناً غالياً، وعند
غسله وجدنا أن ألوانه قد تغيرت وتداخلت مع بعضها ـ أي بَهُتَ ـ وأن مقاسه قد تغير
ـ أي انكمش، وبالتالي فقد قيمته وشكله وكل شئ أيضاً.
الثبات في المسيح يعني:
أن نظل محتفظين بإيماننا، وبالتالي سالكين في الحياة وفي
الخدمة بنفس طبيعة وروح وهدف المسيح دون حيدان عنه وذلك في جميع الأوقات ومختلف
الظروف.
وهذا المعنى يمكننا اختباره، بل والفرح به أيضاً إذا
أدركنا أهم حقيقة تخص "الثبات" وهي: كما أن الكرمة هي التي تحمل الأغصان
هكذا نحن أيضاً محمولين على المسيح، وإيماننا بذلك وقبول هذه الحقيقة يجعلنا
معتمدين على المسيح تماماً ودائماً، ومن هنا يستمر تدفق نعمته وقوته فينا فنزداد
رسوخاً فيه، فنحن لا نصارع لكي نكون محمولين على المسيح، لكن مسئوليتنا أن نحافظ
على استمرار اتصالنا به بإرادتنا وبكل عزم القلب، ولا نُفرط في أي جزء من مساحة
الاتصال به، بل أن نزيد من الاتصال والتواصل معه بلا انقطاع لكي نختبر ونتمتع
أيضاً بالأمر المبُهج في عملية الثبات الذي هو: ثبات المسيح نفسه فينا (ع 5ب) وهي
اختبار سام شبهه أحد المفسرين بقطعة إسفنج مملوءة بالماء، لكنها موضوعة بالكامل في
الماء، فهو داخلها وهي داخله.
فيمن نثبت؟
إن دعوة المسيح لنا للثبات هي أن يكون هذا الثبات في
شخصه المبارك كما أعلن ذلك في يوحنا 15: 4، 5، 7 لأنه أصل ومصدر حياتنا فمنه نستمد
كل شئ ، وأيضاً نعتمد عليه في كل شئ ، ولقد توَّج الآيات الثلاث عن الثبات بالدعوة
إلى الثبات في محبته (ع 9)، ليس لأن هناك ثبات فيه وثبات آخر في محبته بل لأنه هو
كله محبة، والمحبة بكل معانيها وقوتها وأبعادها واضحة تماماً فيه، ولا يصعب التعرف
عليها إذ قال عنها "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه"
(يوحنا 15: 13)، وكأنه يقول هذا هو برهان محبتي لكم، وأقل ما يمكن أن يقال هو أن
أكبر احتياج لدينا في الحياة هو إلى الحب الإلهي، وقد وُجد واستعلن تماماً في يسوع
المسيح وحده، وصنعت محبته لنا فوق ما نتصور، فقد صرنا مقبولين في السماء ..
ومطهرين وفرحين ولنا رجاء باستمرار وغالبين قوى الشر والظلام و.....
وبالطبع ينبغي أن نُقَّدر هذا الحب فنحبه أيضاً .. وما
البرهان ؟ إنه بإطاعة وصاياه، ولاسيما أنها ليست عسرة أو ثقيلة.. هي فقط مستقيمة
ودائماً تُفرح القلب ـ أي أن اطاعتها يسبب الفرح الداخلي (مزمور 19: 8) وكلما
احترمناها وسلكنا بها نجد قوة الله تدفع بنا إلى عمق حضن المسيح فنثبت فيه أكثر،
وهذا هو الثبات الأساسي والأعظم لنا كأغصان في الكرمة الحقيقية .. الثبات في
المسيح وفي محبته، ومن خلال المسيح، وبالمسيح الذي نثبت فيه نستطيع أن نفعل كل شئ
(مرقس 9: 23) ، وبدون المسيح لن نقدر أن نفعل شيئاً له قيمة أو معنى أمام الله (يوحنا
15: 5 )
·
نتائج الثبات
على ضوء حديث المسيح الكاشف للحقيقة في يوحنا 15 يمكننا
أن نرى عدة نتائج عظيمة للثبات منها:
أ)
تمجيد الآب (ع 4، 8)
ألله أبونا يستحق أن نمجده،
والذي يجعله متمجداً هو أن أغصان الكرمة الحقيقية تنتج ثمراً حقيقياً أيضاً، وأن
الثمر على مستوى من الجودة المناسبة لجودة الكرمة الحقيقية .. ومثل هذا الثمر يمكن
أن يتحقق من خلال الثبات في الكرمة ويستحيل تماماً أن يتحقق
بدون الثبات.
مثال: هوجم "استفانوس" بشراسة من رجال الدين
في المجمع اليهودي، وافترى عليه ثم هاج الشعب والشيوخ ضده، ومع ذلك قدم شهادته عن
المسيح بكل سلطان روحي ووضوح بينما كان الحقد عليه شديداً وحكم الموت عليه يأخذ
مساره"... رأى مجد الله..." (أعمال 7: 55) مما يدل على أن الله قد تمجد
من خلال ثباته في الإيمان وثباته في إعلان الحق في ذاك الوقت العصيب دون تزحزح أو
تقلقل، وكم هو امتياز فائق العظمة أن نشترك في تمجيد الله أبونا.
ب) تمتعنا باستجابة طلباتنا (ع 7، 16)
من ضمن أجمل وأمتع الاختبارات في حياتنا هو تذوق استجابة
الله للطلبات التي نقدمها أمامه، وهو في محبته يريد أن يمنحنا استجاباته الكريمة
التي تفوق على مجرد الاستجابات للطلبات العادية فإننا من خلال الثبات في المسيح
ستلمس قلوبنا الفكر الإلهي من جهة الخطط العظيمة والتدابير الحكيمة لمسيرتنا نحن
في الحياة، وأيضاً فكره من جهة الكنيسة وكذلك من جهة المسكونة والاحتياجات التي
بها تتم هذه الخطط والتدابير، وهذا يجعلنا نشعر أننا شركاء مع الله في إتمام
مقاصده، فلا نجد أمامنا إلا أن نطلب طلبات سامية من أجل إتمام تلك المقاصد، وتكون
النتيجة أننا نتمتع فعلاً بالاستجابات الإلهية لأنها في صميم مشيئة الله وليست
مجرد تحقيق أمنيات عادية (1يوحنا 5: 14، 15)، وبذلك نصل إلى الفرح الثابت المكتمل
لا الفرح المتقطع والقليل كما أعلن المسيح ذلك لنا " كلمتكم بهذا لكي يثبت
فرحي فيكم ويكمل فرحكم" (يوحنا 15: 11) وكل هذا نتيجة الثبات في يسوع المسيح
والاتحاد التام معه، ومهما كانت طلباتنا التي نقدمها للآب باسم يسوع طلبات عظيمة
جداً (يوحنا 14: 13) فإنها تُستجاب إذا تستمد طبيعتها ودوافعها وقوتها من حياة
الثبات التي نحياها في المسيح.
إذا فكرنا..
ترى ما هي علامات الثبات؟ فإن كلمة الله قد أغنتنا وأراحتنا ولخصت لنا كل العلامات
التي تدل على أن الإنسان ثابت في المسيح فعلاً في هذه الآية الجليلة: " من قال أنه ثابت فيه ـ أي في المسيح ـ ينبغي أنه
كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً" (1يوحنا 2: 6)
نعم .. المسيح عظيم جداً بما لا يقاس ولا يقارن لكنه أتى
في الجسد وصار على الأرض وأعطانا شخصه مثالاً لا لكي يكون رئيس ديانة أو شخص نُعجب
به، بل لكي بالنعمة وبالإيمان نتشبه به (رومية 8: 29) . لقد سلك يسوع المسيح في
أثناء تجسده في الطاعة الكاملة وحتى النهاية .. أمام الآب، وسلك أيضاً في المحبة
الحقيقية المبرهنة .. لكل النفوس، وسلك في البر والقداسة في كل خطوة، وكان وديعاً
متواضعاً وفي نفس الوقت جريئاً وواضحاً و... وهكذا فحياته في كل مراحلها
ومواقفها مثالاً، ولذلك فالثبات فيه يعني أننا لا نتزحزح ولا نتنازل عن السلوك كما
سلك هو في الحياة، وهو من محبته قد أعطانا من روحه لكي تتحقق المشابهة المجيدة
لشخصه المبارك بأقوى وأوضح صورة، وبإدراكنا لعطية الروح القدس التي منحها لنا،
وتجاوبنا مع الروح سوف نتمتع بوحدة وثبات ـ في غاية الروعة ـ مع الكرمة الحقيقية
.. يسوع المسيح "بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنه قد أعطانا من روحه
" (1يوحنا 4: 13)
الملحق
إن الذين "يطرحون فيحترقون" فعلاً ، لا يمكن
عمل جدول لحصرهم، لكن نتناول فقط بعض الأمثلة وهي إنذار لنا جميعاً بدون استثناء:
1ـ العائشون في خطايا يرتبطون بها إلى نهاية حياتهم دون
توبة وهم يدرون بها (رؤيا 22: 15)
2ـ إنكار الإيمان بالحق ـ يسوع المسيح، وكونه ابن الله ـ
وذلك بكامل إرادتهم ووعيهم (متى 10: 33 & 1يوحنا 2: 22)
3ـ الذين يفسدون جسد المسيح سواء بإحداث الانشقاقات
المقصودة (ليس مجرد اختلاف في الرأي) أو بارتكاب خطايا مع أعضاء الجسد وإحداث عثرة
دون توبة وتصحيح (رومية 16: 17، 18& 1كورنثوس 3: 7)
4ـ الذين يجدفون ـ أي يشتمون ـ على الروح القدس (متى 12:
31، 32)
5ـ الذين يضيفون أو يحذفون أو يُحرَّفون في كلمة الله
(رؤيا 22: 18، 19)
6ـ الذين يفتحون الباب لتعاملات مع مملكة الظلمة (سحر ـ
عرافة ـ ....) أو يرتبطون بمذاهب وديانات وثنية (1يوحنا 5: 21)
7ـ الذين يطمرون الوزنات الإلهية أو يفسدونها (متى 25:
30)
تعتبر رسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا هما إنذار واحد
كُتب لجميع المؤمنين مهما كان مستواهم الروحي وخدمتهم أو مكانتهم الروحية لكي
ننتبه جميعاً إلى أنفسنا، ولا نقبل أي نوع أو مقدار من الشر أو الفساد الذي حتى لو
بدا صغيراً في البداية لكن قبوله والترحيب به يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة وضياع
أبدي أيضاً.
ـ نفهم أنه هو وحده الكرمة الروحية الحاملة في ذاتها
نموذج الكمال والنجاح.
ـ ونفهم انتهاء تواجد أي كرمة أخرى سابقة حتى لو كانت من
الله (كرمة بني إسرائيل)
ونفهم زيف أي كرمة أخرى قد زرعها العالم مهما كانت مزينة
من الخارج (كرمة سدوم وعمورة ) (تثنية 32: 32)
v
كيف ينطبق قول الرب يسوع "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يوحنا
5: 17) على إعلان "أنا هو الكرمة الحقيقية؟
ـ أنه بينما المسيح هو الكرمة إذاً هو الذي يُغذي
الأغصان دائماً بالعصارة، وهذا عمل دائم للابن، كما أن الآب هو الكرام الذي يعتني
بالأغصان من جهة كل شئ تحتاجه سواء حراسة أو تقليم وهذا أيضاً عمل دائم .
v
ما هي أبرز صفات الثمر المتمَّيز؟
1ـ الوفرة
2ـ الدوام
3ـ الجودة
v
يتحقق الإثمار المتميَّز عن طريق "عمل" و "مسئولية"
وضح أي "عمل" ومنْ يقوم به، وأي "مسئولية" ومنْ يتحملها؟
1ـ العمل هو: التقليم (التشذيب) ويقوم به الآب
2ـ المسئولية: الثبات وهذه هي مسئوليتنا نحن.
التطبيقات
العملية
1ـ قدم شكر لـ "الله" من عمق قلبك، إذ جعلك
غُصناً مثمراً في الكرمة الحقيقية "يسوع المسيح" ولأن "الآب"
هو المعتني بك كغصن حي في الكرمة.
2ـ اقبل كل تنقية وتقليم (تشذيب) مهما استخدم الرب فيها
أدواته سواء الكلمة أو الكلمة ومواقف صعبة إذ الهدف أن تكون مثمراً هو هدف غالِ
ويستحق أن نقبل وسائل الله لتحقيقه فينا
3ـ افرح بمحبة المسيح، ولا تنساها لكي تعينك على الثبات
الذي يتطلب عزم القلب (أعمال 11: 23)
إرسال تعليق