أنا هو "الحق" الدرس الحادي والثلاثون منهج دراسة الاناجيل
أنا هو "الحق" الدرس الحادي والثلاثون منهج دراسة الاناجيل
الدرس الحادي والثلاثون
أنا هو "الحق"
·
القراءات:
يوحنا 5: 33 ، 8: 30 ـ 59 & 1يوحنا 3: 19 ، 5: 20
& إشعياء 30: 18 & إرميا 10: 10
·
آيات الدرس:
ـ "
....َتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ ".(يوحنا 8: 32)
ـ " ....أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.
.... ". (يوحنا 14: 6)
ـ "
الَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ.(يونان 2: 8)
·
آيات أخر أثرت في الدارس:
- --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدمة:
تمتلئ الأسفار النبوية ـ من إشعياء إلى ملاخي ـ
بالكثير جداً من كلمات يُعبّر الله فيها عن ضيقه وألمه من شعبه لأنه يتجاهل
"الحق" الذي أعلنه في كلمته، وبالتالي تعرضهم للهلاك المحتم رغم فرص
العطاء الإلهي لهم وكذلك الحماية والتنبيه والإنذار، وهذا لأن رفض الحق المُعطى من
الإله هو أمر في منتهى الخطورة.
والآن .. يسوع المسيح وهو جالس مع تلاميذه في الليلة
الحاسمة .. ليلة القبض عليه يفيض علينا من وسط تلاميذه بإعلان جديد علينا عن ذاته
لا يقول فيه أنا أتكلم فقط بالحق بل : أنا هو الحق، إذاً نحن الآن أمام
إعلان يقول أن الحق هو كائن حي وليس فقط كلاماً حياً مُرسلاً بأي صورة من الصور،
لذا نحتاج أن نتفهم محتويات هذا الإعلان السامي الجليل.
·
الحق
الحق كلمة لها معنى:
ـ في اللغة العربية : الحق ضد الباطل، والحق أيضاً واحد.
ـ في اللغة العبرية: الحق قريب من معنى كلمة الأمانة أو
الصدق ويحمل فكرة الرسوخ أو الاستقرار.
من واقع كلمة
الله ككل يمكننا رؤية "الحق" أنه: هو الصح الأصلي التام من جميع
النواحي، بمعنى أن الحق هو الصح منذ الأزل وإلى الأبد وهو الصح في أي زمان ومكان
وموقف، وهو الصح بطبيعته.. أي بدون اكتساب ذلك من آخر ولذلك هو أيضاً الصح الأصيل.
إن هذا المعنى
لا يمكن أن ينطبق إلا على الله وحده لا سواه، ويعتبر "إليهو" ذلك الشخص
الذي ظهر في حياة أيوب هو واحداً من الذين كانت لديهم استنارة بأن الحق هو الصح إذ
قال "... حقاً إن الله لا يفعل سوءاً" (أيوب 34: 12)
وحين أعلن المسيح أنه هو الحق فذلك لا يعني إطلاقاً أنه
شبيه بالحق أو أنه جزء من الحق ـ لأن الحق لا شبيه له وهو لا يتجزأـ بل لأنه هو الرب
الحق، تماماً كما قال الوحي " أما الرب الإله فحق هو إله حي وملك أبدي
...." (إرميا 10: 10)& ".... الرب إله حق ...." (إشعياء 30:
18)
معرفة الحق
كلنا بدون استثناء عرفنا عن قرب وعن بُعد
الأباطيل مثل: الأكاذيب، الادعاء والتظاهر، الخوف والتراجع، الخلط والخداع،
التحوير والتحايل، سواء كانت هذه الأباطيل هي سلوكيات شخصية أو معتقدات وعبادات،
وربما تضايقنا جداً من أنفسنا بعد أن سلكنا في أي من تلك الأباطيل واكتشفنا من
خلال صحوة الضمير أو بطريقة ما .. الزيف الذي نعيش فيه، وربما تغاضينا عن مثل هذا
الضيق، معتبرين أن هذا منهج الغالبية العظمى من الناس، وهذا الاتجاه في التفكير هو
أقوى مُحذّر للضمير الإنساني.
لكن ..
شكراً لـ "الله" لأن المسيح إذ سبق وقال
"... تعرفون الحق ..." (يوحنا 8: 32)، هو الذي أعلن بعد ذلك عن ذاته
قائلاً: "أنا هو الحق" (يوحنا 14: 6)
إذاً لدينا فرصة ثمينة أن نعرف ونُميَّز
"الحق" ، بل ونرى تميزه وعظمته أيضاً، وقديماً قال أحد الرجال لأيوب :
"لنمتحن لأنفسنا الحق" (أيوب 34: 4)
يُعرف الحق الحقيقي ويتميز بعلامات ودلائل كثيرة من
ضمنها أنه :
1ـ أساس ثابت ودائم
من البديهي
ونحن نفكر في أقوى العلامات والدلائل التي نهتدي بها إلى معرفة الحق وتمييزه عن
غيره هو هذا السؤال:
إلى أي مدى يمثل هذا الحق أساساً ثابتاً دائماً ولا
يتغير حتى يمكن وضع حياتنا كلها عليه، واتخاذه مرجعاً موثوقاً فيه في كل حياتنا
الحالية والأبدية أيضاً، لأنه إذا لم يكن الحق هو أساس للحياة كلها فما هو الأساس
الذي نبني عليه كل شئ في حياتنا؟
وللتوصل إلى هذه المعرفة اليقينية دعونا نعود إلى ما فاض
به الوحي من إعلانات مراراً كثيرة عن إن الرب هو "صخرة" و
"صخرتنا" (تثنية 32: 4 & 1صموئيل 2: 2 & مزمور 11: 46 ، 19: 14
، 31: 3 ، 73: 26 ، 92: 15 ، 95: 1، 144: 1 & إشعياء 26: 4)، ومعروف أن
"الصخر" يشير إلى الثبات والرسوخ والقوة والدوام وذلك على مستوى عال
جداً، ولقد أنبأ الوحي في النبوات بأن المسيح عندما يستعلن ـ في التجسد ـ سيكون
أساساً صخرياً : "... هأنذا أؤسس في صهيون حجراً حجر امتحان حجر زاوية كريماً
أساساً مؤسساً ـ أي مؤكداً ـ من آمن لا يهرب" (إشعياء 28: 16) ، وهي نفس
النبوة التي تكلم الوحي مرتين عن انطباقها على يسوع المسيح :
أ ـ مرة من خلال بولس الرسول حين قال: "مبنيين على
أساس الرسل والأنبياء ـ أي كلمات الوحي التي أعطيت لنا من خلال الرسل والأنبياء والتي
كانت تدور كلها حول عمل يسوع المسيح الفدائي ويسوع المسيح نفسه (شخصه) حجر الزاوية
(أفسس 2: 20)
ب ـ ومرة أخرى من خلال بطرس الرسول حين قال: "لذلك
يتضمن أيضاً في الكتاب هأنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختاراً كريماً والذي يؤمن به
لن يخزى" (1بطرس 2: 6)
فالمسيح .. هو الأساس للحياة كلها وأي محاولة من الشيطان
أو من بشر أو من كليهما معاً للتفكير في تأسيس مذاهب أو ديانات من أجل مزاحمة المسيح
هي محاولات فاشلة تماماً، لأن المسيح هو أساس سماوي وأزلي، والوحي يؤكد على حقيقة
كونه الأساس الوحيد المعترف به في السماء فيقول: "... لا يستطيع أحد أن يضع
أساساً آخر غير الذي وُضع الذي هو يسوع المسيح" (1كورنثوس 3: 11)
إن يسوع المسيح بشخصيته الإلهية والإنسانية صار هو صخرة
الخلاص الذي يستحق أن نرنم ونهتف ونسجد أمامه كما دعانا الوحي لذلك (مزمور 95: 1،
2)، لأن من يختبر يسوع المسيح كأساس وصخرة للخلاص سوف يرى بالتبعية أنه من الضروري
أن يظل يسوع المسيح ـ وكلمته ـ هو الأساس أيضاً لكل حياته بكل جوانبها: شخصية الإنسان
ـ حياته العملية ـ علاقاته ـ حياته الزوجية ـ خدمته لـ الله، ووعد المسيح هنا هو
إعطاء الضمان بالحماية التامة (لوقا 6: 47 ـ 49)
تحذير:
على أن هناك تحذيراً إلهياً في منتهى الخطورة ولا يمكن
تجاهله، وهو أن عدم الاعتراف بيسوع المسيح وحده أساساً للخلاص والمجد الأبدي هو
اصطدام مؤكد به كصخرة، وبالطبع فإن النتائج ستكون رهيبة ومدمرة للإنسان الذي يرفض
الإيمان والاعتراف به، ليس لأن المسيح شخص منتقم ويحب الثأر، بل لأن ذلك نتيجة
طبيعية، إذاً .. منْ هو الذي يصطدم بصخرة ثم ينجو؟ ومن هو الذي يمكنه أن يلوم
الصخرة بعدما رفض أن يدخل فيها ويستقر عليها (1بطرس 2: 6ـ 8)
المسيح إذاً هو الأساس الثابت والدائم الذي لا يتغير،
وهذه من أول العلامات اليقينية التي تدل فعلاً على أنه هو "الحق"
2ـ صدقه مؤكد
حين يعلن يسوع
المسيح عن ذاته قائلاً "أنا هو الحق" ، فإن الصدق هو من معاني كلمة
"الحق" ، ويعتبر الصدق أيضاً برهاناً على أن منْ (أومأ) هو أمامنا .. هو
حق، أما لو كان الصدق هو كامل ومؤكد تماماً في كل المواقف والأوقات ومن جميع
النواحي فذلك ليس حقاً فقط بل هو "الحق" ذاته لأنه عن الحق يصدر:
أ ـ القول الحق (أو كلمات الحق)
ب ـ الفعل الحق (أو التصرفات الحق والأعمال الحق)
ج ـ الانطباق والتوافق التام ما بين القول والفعل الحق
ولفهم هذا الأمر واستيعابه دعونا نفكر في جانبين:
الجانب الأول:
إن أي كائن وُجد على الأرض مهما كانت كلماته
(أو تعاليمه) صالحة، فلابد أن تصدر منه هفوات .. هذا إذا كان كلامه صحيحاً تماماً،
وإذا عمل إنساناً أعمالاً صالحة فبالتأكيد ستصدر عنه أعمالاً (أو تصرفات) أخرى غير
صالحة حتى لو كانت صغيرة جداً.
الجانب
الثاني:
قد يُقدم
إنساناً كلاماً (أو تعليماً) صالحاً لكن تكون أعماله عكس كلامه أو لا تتوافق معها،
وقد يعمل أعمالاً تبدو جيدة لكنها ليست عن قلب صالح وفكر نقى ومبدأ سليم في
التفكير.
لكن ..
الوحيد الذي كانت أقواله صالحة وصادقة ونافعة وبانية
وكذلك أعماله كانت متطابقة تماماً مع أقواله هو يسوع المسيح، ففي بداية سفر أعمال
الرسل يقول القديس لوقا البشير وهو يخاطب موظف كبير في الإمبراطورية الرومانية :
"الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس، عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به،
إلى اليوم الذي ارتفع فيه...." (أعمال الرسل 1 : 1، 2) ولذلك نراه متميزا ًجداً
حتى عن الأنبياء فهم كان لهم أسلوب في التكلم بكلمة الرب التي هي حق وعباراتهم
الشهيرة كانت : هكذا يقول الرب أو هكذا قال الرب، أما المسيح "الله الذي حلَّ
في الجسد" (2 تيموثاوس 3 : 16) فقد كان يقول: "الحق الحق أقول لكم"
وهى عبارة تدل على إنه يتكلم بالصدق المطلق، وحياة يسوع تشهد بذلك .. وما يبرهن
صدقه في الكلام والتعاليم هي أعماله الصالحة إلى يصعب حصرها، وهذا هو البرهان على
أن يسوع هو الحق.
علي أن لدينا في الإنجيل أمثلة وبراهين كثيرة جداً تبين
لنا انطباق أو اتفاق أقوال يسوع مع أعماله أو تصرفاته ومثالاً لذلك:
- نادى بالسلام والمحبة (يوحنا 5 : 9، 43، 44)
|
و سلك هو شخصياً مُسالماً و مُحباً إلى أقصى حد (يوحنا
18: 4ـ9)، و دون تراجع عن الحق
|
- قال: تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب (متى 11:
29)
|
وبالفعل لم يكن في سلوكه أي درجة عنف أو ميل للانتقام
و الأخذ بالثأر (لوقا 9 : 51 ـ 56)، (متى 26 : 47 ـ 52 مع لوقا 22 ـ 50، 51)
|
- قال إني أريد رحمة لا ذبيحة (متى 12: 7)
|
وعملياً.. قد شفى مرضى في يوم السبت (متى 12 : 13)،
(لوقا 13 : 13 ، 14) وجلس مع المنبوذين والمحتقرين ليقودهم إلى التوبة فيرحموا
(لوقا 15 : 1، 2)
|
- دعانا لأن نغفر للآخرين (مرقس 11 : 25)
|
وهو شخصياً غفر لصالبيه في أحلك اللحظات (لوقا 23 :
33، 34)
|
ورغم صحة كل من أقوال وأعمال المسيح، والتطابق بين القول
والفعل وبدون أي فجوة بينهما، فإننا لا نقول أن المسيح كان فقط على حق، بل إنه هو
نفسه "الحق" الذي ينبغي أن نعرفه ونفكر فيه لنحيا به، حتى نكون نحن
أيضاً على حق في كل ما نحياه بالإيمان بيسوع المسيح.
3ـ أصالته واضحة
الأصالة علامة
مُميزة جداً لـ "الحق" الحقيقي، وهي تعني أنه لا ينقل ولا يقتبس من
غيره، لا فكر ولا رأي ولا قصة، ومنطوقات فمه صافية وخالصة لا تلفيق ولا تحوير
فيها.
"الحق" الحقيقي.. أفكاره ومبادئه فيه منذ
الأزل وتنبع منه لتستمر إلى الأبد، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى أي قوة جسدية أو
مادية أو حربية أو سياسية لكي يُعرف وينتشر، ونحن إذ نؤمن بأن يسوع المسيح هو
"الحق" الذي قد أتى إلى أرضنا بكل محبة وتواضع وتجرد من أي قوة خارجة
عنه، نؤمن أيضاً أن "الحق" ينتشر ويُعرف جيداً بكل محبة ووداعة وتجرد من
أي أسلحة أرضية سواء كانت السيف أو الرمح أو غيرها من الوسائل البشرية كالتكتلات
السياسية أو الاقتصادية .. "الحق" يحمل الطبيعة السماوية الممُيزة
وكفايته في الانتشار ترجع إلى طبيعته هذه والتي تعبر فعلياً عن أصالته.
على أن أصالة "الحق" تقتضي أيضاً اجتيازه
الامتحانات التي تكشف حقيقته وطبيعته تماماً كما المعدن الأصيل (والثمين) الذي
يمتحن باجتيازه النيران، وكذلك احتكاكه بغيره من المعادن والأدوات لمعرفة هل تؤثر
فيه وتخدشه أم يظل صلداً؟ وذلك لاكتشاف طبيعته وحقيقته وهل هو معدن أصيل أم تقليد،
هكذا المسيح الذي أعلن عن ذاته أنه هو "الحق" قد قبل امتحانات (وليس
امتحان واحد)
ـ لقد جُرَّب من إبليس نفسه ( متى 4: 1ـ 11)
ـ وجُرَّب من جماهير زحفت لتنصيبه ملكاً (يوحنا 6: 14،
15)
ـ وجُرَّب من رجال الدين مراراً كثيرة (متى 12: 10، 24،
16: 1، 19: 3)
ـ وجُرَّب بخيانة واحداً من تلاميذه له (متى 26: 21، 47
& مزمور 55: 12ـ 14)
ـ وجُرَّب من شعبه ـ اليهود ككل (يوحنا 10: 19، 20 &
18: 38 ، 19: 4، 6، 15)
ـ وجُرَّب بالموت مصلوباً ـ والصلب كان رمزاً للعار
(غلاطية 3: 13)
وتجارب أخرى كثيرة اجتازها يسوع في روحه ونفسه وجسده
ونجح وانتصر في جميعها، فلم يُخطئ ولم تتغير طبيعته، بل وتقدم فتمم القصد الإلهي
وهو الفداء للبشرية جمعاء، ولقد مجدَّ الله، وتمجد الله فيه، وأيضاً لقد مجده الله
(يوحنا 13: 30، 31 & 17: 4، 5 & أعمال 2: 32، 3: 13، 5: 31)، وهذه هي
الأصالة التي تُعرفنا من هو الحق الحقيقي، أنه مهما يُختبر يظل صحيحاً ولا تتغير
طبيعته ويلمع بضياء لا ينكسر، وما يكلل ويظلل هذه الدعائم الثلاث التي رأيناها هو
أن الروح القدس .. الذي من أسماءه أيضاً أنه : "روح الحق" كان حالاً
ومالئاً شخصية يسوع المسيح بكيفية عظيمة لم تحدث لأحد من قبل أو من بعد وهذا كان
لأجل استعلان الحق ونصرة الحق، قال الوحي بلسان الآب السماوي عن المسيح في العهد
القديم " ... وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم ... إلى الأمان ـ أي إلى
النصرة ـ يخرج الحق لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض..." (إشعياء 42: 1ـ
4) ، وقد تمت هذه النبوة (متى 12: 14ـ 21)
ولذلك فإن قبول إعلان المسيح عن ذاته بأنه هو
"الحق" يعتبر أمراً لا يحتاج إلى أي مجهود لأن اليقين بأنه
"الحق" واضح تماماً كالشمس، لا يستطيع أحد أن يلغي الشمس مهما أنكر
وجودها أما من يعترف بأنه الحق ويتبعه فإن حياته كلها تستنير وتتبارك ، كما نستنير
ونستمتع بنور الشمس.
تأثير معرفة الحق
على مدى تاريخ
البشرية كله ، وفي معظم بلدان الأرض ، قامت الثورات أو حدثت الانقلابات من أجل
المطالبة بالحرية أو بمزيد من الحرية، كما تقوم الهيئات والمنظمات العالمية وتنعقد
المؤتمرات والندوات للدفاع عن الحرية، بل وبعض الزعماء المنفتحين يجاهدون لتحقيق
حريات لشعوبهم وكم من كثيرين قد قدموا حياتهم للدفاع عن الحرية لكي ينالوها وأيضاً
ينالها الآخرون.
انحصرت المطالبة بالحرية في هذه النواحي :
حرية الفكر والقول وحرية الإبداع – حرية الحركة والتنقل –
حرية العبادة – الحرية من العوز – الحرية من الخوف وغيرها من الحريات، وهي
احتياجات إنسانية واجتماعية تتفق مع إرادة الله الذي وهو حر قد خلق الإنسان على
صورته ومثاله أي ليكون هو أيضاً حراً، ولا يُعيق حرية غيره وبالطبع سيحاسب على تلك
الحريات وكيفية استخدامها.
على أن أهم أنواع الحريات وأغلاها هي الحرية الداخلية من
الخطيئة أولاً والتي على أساسها يمكن للإنسان أن يختبر كل أنواع الحريات الأخرى ..
هذه الحرية تتميز بـ :
1ـ ارتباطها بالمصير الأبدي بنسبة100%
2ـ لها تأثير على الحالة النفسية والفكرية بنسبة عالية
تختلف من شخص لآخر.
3ـ أنها مفتاح انطلاق المواهب والقدرات الممنوحة من الله
للإنسان بطريقة جيدة ومقدسة . ونتائج عظيمة سنراها من خلال هذا التوضيح .
مانح الحرية
هذه الحرية
الداخلية الغالية لا تتحقق من خلال ثورات ضد آخرين ليمنحونها لنا لأنها ببساطة
ليست لديهم، وهم ليسوا سبب تعطيل نوالنا لها. إن الذي يعطيها لنا هو يسوع المسيح
فقط الذي ـ تبارك إسمه ـ قد جعل نفسه متاحاً لنا، ومن خلال قبولنا له والاستماع
إليه لكونه هو الحق. وهذا الأمر واضح تماماً من منطوقات فمه الصادق مؤيداً بمسحة
الروح القدس التي كانت على يسوع المسيح لإتمام كل عملية تحرير، هذه المسحة التي
لازمته قبل بدء خدمته إتماماً لنبوة إشعياء النبي "روح الرب عليَّ لأنه مسحني
لأُبشر ... لأشفي ... لأنادي للمأسورين بالإطلاق ... وأُرسل المنسحقين في الحرية
" ( لوقا 4 : 17 ، 18 & إشعياء 61 : 1 )
·
منطوقات "الحق "
أـ كمبدأ
تكلم يسوع المسيح عن التحرر من الخطيئة فقال : "...
تعرفون الحق والحق يحرركم " ( يوحنا 8 : 32 ) فظن السامعون من اليهود أنه
يتكلم عن الحرية السياسية ع 33 فجادلوا معه بسبب ضعف الفهم الروحي لديهم، فرد
المسيح عليهم بأن من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة وفي هذه الحالة لن يكون له وجود
في البيت الأبدي ع 34 ، 35 ، ربما هنا على الأرض يدخل ويخرج الإنسان بكل راحته على
بيت العبادة، لكن لا يمكن استقراره في البيت الأبدي إلا إذا كان تحرر من الخطيئة
بناء عن معرفته بمن هو الحق أي بيسوع المسيح وبما تكلم به إذ أن كلمته هي أيضاً
كلمة الحق والمسيح قد أعلنها بكل صراحة أن تلك الحرية لن يعطيها لنا أحداً غيره
" ... إن حرركم الابن ـ أي ابن الله ـ فبالحقيقة تكونون أحراراً " (
يوحنا 3 : 36 ) أي أن الحرية التي يعطيها لنا هي حرية مؤكدة، لأنها حرية من قيود
هي أيضاً كانت واضحة ومؤكدة فإن إبليس الكذاب وأبو الكذاب كما قال المسيح عنه في
يوحنا 8 : 44 قد كذب على أبوينا الأولين آدم وحواء منذ بدء الخليقة وإستجابا له،
وبالكذب أصبحت الخليقة كلها مقيدة لأن الكذب يقيد، ولكن الحق وحده هو الذي يحرر.
نعم .. في "الحق " الذي كله صدق وأصالة تكمن
قوة الله الجبارة وسلطانه مما يكشف كل زيف وتحوير فيتحرر الإنسان في أعماقه بأمجد
أنواع الحريات.
ب ـ كتطبيقات
حياتية
لمس المسيح
" الحق" جوانب حساسة جداً في الشخصية الإنسانية قاصداً تحريرها من
القيود المتنوعة الأشكال، وكانت منطوقاته كإشراق الشمس بعد طول ليل الظلام الذي
خيم على البشرية ومن ضمن تلك التطبيقات:
1 ـ التحرر من الكراهية
وذلك حينما قال " أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم
وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم " (متى 5 : 44 ) فإذ نؤمن بأن هذا هو "
الحق " ـ الأصيل ـ تهرب البغضة بل والحقد والحسد من أعماقنا وتحل محبة المسيح
بالروح القدس فينا فنحب من يعادينا ومهما كانت درجة عداءه، ونبارك من يلعننا،
ونصلي لأجل من يسئ إلينا، وبذلك لا يبقى في قلوبنا أي مرارة من أحد أو من فئة من
الناس، ونلاحظ أن تعليم الحق لا يدعونا أن ننتظر انتقام الله من هؤلاء ولا أن
ننتظر حتى يأتوا إلينا أولاً ويطلبون الصلح والسلام ثم نحبهم ونباركهم ونصلي
لأجلهم، بل أن نبادر نحن بهذه الإيجابيات الثلاثة.
2ـ التحرر من الشهوة
وذلك حين قال :
"... إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى 5:
28)، "سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً و إن
كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً..." (متى 6 : 22، 23) و أيضا
"ليس شيء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه لكن الأشياء التي تخرج
منه هي التي تنجس الإنسان" (مرقس 7 : 14، 15)
وهذا الحق المنطوق واضح تماماً ومنه نفهم ببساطة :
ـ أن الإنسان بما في داخله هو شخصياً تكمن المشكلة أو
الحل، فليست المشكلة في الآخر الذي أمامنا مهما كان حاله سيئاً، بل المشكلة في أعماق
الإنسان غير الطاهرة، فمثلاً لا المرأة ولا ملابس المرأة هي سبب الشهوة والانحراف
لدى الرجل .. بل عين الرجل ونظرة الرجل المنبعثة من داخله هما ما يحتاجا إلى تطهير
وانضباط، بدليل إن المسيح قال إن أعثرتك عينك فاقلعها.. عينك أنت (متى 5 : 29) ولم
يقل اجلد المرأة أو ارجمها بالحجارة.. الحق الحقيقي يجعلنا مسئولين عن أنفسنا
وكياننا أولاً وأساساً، وبمفهوم هذا التطبيق الحيوي على أنفسنا فإن هذا الحق
يحررنا نحن من نجاستنا الداخلية ومن إدانة الغير وإلقاء اللوم عليه، وهذا لا
يتنافى مع دعوة الحق للمرأة أن تتزين بملابس محتشمة كما هو في (1 تيموثاوس 2 : 9،
10) لكن .. هذا أمر وذاك أمر آخر تماماً.
3ـ التحرر من الخوف
الخوف في
مضمونه السائد هو توقع الوصول إلى الأسوأ (الأسوأ حالاً أو إمكانيات أو مصيراً)
فكيف حررنا "الحق" من الخوف ؟
في (متى 10 : 24ـ33) كشف المسيح لتلاميذه عن ثلاثة حقائق
ثابتة وهى:
ـ الموت هو انفصال الروح عن الجسد (والجسد في جميع
الأحوال فهو منتهى بطبيعته أما الروح فخالدة)
ـ يوجد موضعين ستذهب الروح إلى أحدهما: جهنم- أو
السماوات
ـ الذين يؤمنون بيسوع المسيح ويعترفون به سيعترف بهم هو
أمام الآب السماوي أي سيدخلون السماء حتى لو كان المضطهدين قد قتلوهم أو عذبوهم
حتى الموت، أما الذين لم يؤمنوا، وبالطبع لن يعترفوا بيسوع المسيح رباً ومخلصاً،
فبالموت حتى لو كان في قصور مبهجة فإن أرواحهم سترسل إلى جهنم، وبذلك أزال المسيح
"الحق" كل مخاوف مما يمكن أن يحدث للمؤمنين من مضطهديهم وما سيفعلونه مع
أجسدهم (لا مع أرواحهم).
وهنا نرى أن المسيح وهو يحرر تلاميذه من الخوف من الموت،
لا يقول كلاماً لتهدئتهم نفسياً بل بإعلان الحقيقة التي يجهلها الغالبية العظمى من
البشر.
وما دام "الحق" قد حررنا من أقصى أنواع
المخاوف وهو الخوف من الموت إذا هو فيه الكفاية ولديه السلطان أن يحررنا من كل
أنواع المخاوف مهما كان حجمها أو مصدرها.
و "الحق" الذي يحرر من الكراهية والشهوة
والخوف هو نفسه الذي يحررنا من التقاليد العتيقة البالية، ويحرر من البدع
والخرافات العجائزية، ويحرر من تسلط إبليس سواء بالسكنى أو بالأفكار، ويحرر الذهن
من كل قيوده والجسد من كل أمراضه، ويحرر المعيشة من الفقر، ويحررنا أيضاً من أخطر
الأشياء ضرراً على كياننا الداخلي وهى ميولنا للخطيئة إذ يكفي أن نقف أمامه
باعتباره "الحق" العظيم فتزول عنا ميول سنين طويلة عاشت مثل تحرر المرأة
السامرية (يوحنا 4 : 26ـ39) من حياة الرذيلة والزنا وتحولها إلى شاهدة لمدينة
السامرة بالمسيح، وكذلك تحرر "شاول" من تعصب وكراهية وعنف بل وإرهاب إلى
رسول ينادى بالمسيح للأمم (أعمال الرسل 9 : 5 ، 15).
إن الأباطيل
مغرية جداً، والأوهام مخادعة جداً وكلاهما منتشرين في الأرض، ولذلك فالحاجة الآن
ماسة جداً إلى معرفة من هو "الحق" ؟ وماذا قال ؟ إن الرب يُقدر كل "طالب
الحق" (أرميا 5 : 1) لأن "الحق" وحده هو الذي يحرر فلتكن
علاقتنا به متينة و دائمة حتى نتشبع تماماً بروح الحق فلا نعرف أن نفكر أو نسلك أو
نخدم الله، إلا حسب "الحق" .
v
عَرَِّف "الحق" بأسلوبك؟
ـ الحق هو الله.
ـ الحق هو الصح الأصلي التام.
ـ الحق هو الصدق المطلق.
ـ الحق هو ..........
v
كيف ينبغي أن يكون موقفنا من "الحق"؟
2تسالونيكي 2: 13 تصديق الحق.
1بطرس 1: 22 طاعة الحق.
أمثال 23: 23 اقتناء الحق.
v
ما الذي نحذر منه تماماً تجاه الحق؟
2كورنثوس 13: 8 أن لا نفعل شيئاً ضد الحق بل لأجل الحق
v
ما هي إحدى بركات حافظي "الحق" ؟
مزمور 106: 3 السعادة (طوبى لحافظي الحق)
v
في قبول "الحق" تحرر. ما هي الحريات التي ننالها إذ نعرف الحق
ونقبله؟
الحرية من الخطيئة.
الحرية من إبليس وأرواح الشر.
الحرية من التقاليد البالية.
الحرية من الذات والأنانية.
الحرية من الخوف.
الحرية من البدع والخرافات.
التطبيقات العملية
1ـ تطلع إلى شخصية يسوع المسيح ، وكلماته لكي ترى
"الحق" كاملاً، وبذلك يمكنك فرز كل أفكار قد قيدت ذهنك، وكل معتقد كاذب،
وكل تقليد عتيق، وكل بدعة مهما كان بريقها، واطلب منه تحريرك بالكامل.
2ـ اهتم دائماً بتحررك أنت من أي ميول لأي خطيئة، ولا
تحاول أبداً أن تقيد غيرك لكي تبدو أنت بريئاً، كل منا مسئول عن تحرره هو شخصياً،
بغض النظر عن الغير.
3ـ أشهد للحق .. ليسوع المسيح، وارفع راية شهادة أمام
الآخرين، لكون يسوع المسيح هو الحق الذي يحتاجه كل إنسان على الأرض.
إرسال تعليق