الإصحاح الخامس عشـرالإقتـداء بالمسيح فى التحمل رسالة رومية

الإصحاح الخامس عشـرالإقتـداء بالمسيح فى التحمل رسالة رومية

الإصحاح - الخامس -عشـر- الإقتـداء - بالمسيح - فى -التحمل -رسالة - رومية

الإصحاح الخامس عشـرالإقتـداء بالمسيح فى التحمل رسالة رومية

وشرح بولس لدوافعه ومنهجه فى الخدمة

(الكمال العملى)

1- دعوة للاقتداء بالمسيح في التحمل [15 : 1 - 13]
2- الخطة التي سار عليها بولس في خدمته بين الأمم [15 : 14 - 24]
3- خدمة بولس للقديسين في أورشليم [15 : 25 - 33]


     إن الأعداد الأولى من هذا الإصحاح (ع1 - 13) تعتبر إستكمالا لموضوع (رومية 14)، فهى كلمات أي من أجل إزالة الحساسية الروحية التي كانت عند  بعض المؤمنين تجاه البعض الآخر، ولكي يدعم كلامه أتجه بولس إلى مثال واضح ورئيسي، وهو شخصية الرب يسوع نفسه مؤسس المسيحية، وفيه بيَّن كيف كانت درجة إحتماله للضعفاء كبيرة جداً، فقد ترفق بهم، وقبلهم وأحتملهم رغم قصور إدراكهم، لكى يصل الحق إلى ضمائرهم، وهذه روح عظيمة. ولابد من وجودها والعمل بها حتى يصل الحق إلى ضمير الكل، ثم بعد ذلك يكونون مسئولين عن أنفسهم أمام الله.


     ثم بعد أن قدم بولس لأهل رومية الفكر الإلهي التعليمى والعملى الذى دار حول "التبرير"، و"السلوك المسيحى. يبدأ يختم رسالته بتوضيح الطريق، أو المنهج الذي سارت عليه خدمته العريضة بين الأمم، وهو يشرح ذلك بعد أن سلك فيه، ليُرينا كيف ينبغى أن نسير فى حياتنا وخدمتنا وفق مخطط إلهى، رسمه الله لكل واحد فينا. وأجمل ما في هذا التوضيح أن بولس الرسول يُعلن أنه قد تمم خدمته التي كُلف بها كرسول في آسيا الصغري وما حولها، 

حيث تأسست هناك الكنائس، واستطاعت بنعمة الله أن تقف على أقدامها، ولكن بينما كان الرسول يُتمم خدمته فى آسيا، كان يدور فى فكره إتجاهين، أحدهما الإتجاه نحو الغرب لزيارة رومية واسبانيا، لتثبيت وتعليم مؤمنى رومية، تبشير مدينة أسبانيا، والإتجاه الآخر هو أهتمامه بحمل تقدمة مادية لفقراء القديسين في أورشليم قام بجمعها من كنائس الأمم، وغالباً كان تقديم هذه التقدمة بناء على ما سمعته تلك الكنائس عن دور القديسين فى أورشليم فى نشر الإنجيل، 

والظروف المادية العسرة التى يمرون بها فى تلك الفترة، ونتيجة أيضاً  لحثهم بمحبة من بولس الرسول لأن يكون لهم دور فعال مع قديسي أورشليم، وذلك بأمل أن يؤدى مثل هذا الموقف إلى تعميق الروابط بين جميع القديسين والمؤمنين، وازابة أية فوارق بين اليهود والأمم، وتدعيم وحدتهم كأعضاء في جسد المسيح. ولقد برهن هذا التصرف أن بولس جندي صالح ليسوع المسيح في جميع الميادين. ثم ينهى الرسول هذا التوضيح بطلب مشاركة أهل رومية له في صلاة شفاعية من أجل نجاح مهمته الجديدة في أورشليم.

 أولاً: دعوة للإقتداء بالمسيح فى التحمل:   [رو 15: 1- 13]
    
     كان موضوع الوحدانية بين المؤمنين أمراً فى غاية الأهمية، ويشغل حيزاً كبيراً فى قلب وفكر ورسالة بولس الرسول، ولذلك لم يكتف بأن يُطالب بحفظ هذه الوحدانية فقط، بل سعى لتحقيقها من خلال تقديم النصائح لإزالة أسباب الإختلاف بين المؤمنين، فإتجه فى (رو14) إلى تحليل الموقف، ووضع الأمور فى مكانها، وتحديد خطورة المسئولية، ثم يتجه ف بداية (رو15) نحو التركيز على النموذج الواقعى الكامل لإحتمال الضعفاء، وهو حياة يسوع المسيح أثناء التجسد. فإذا تأملنا الأعداد (1-13) نجد أنها تُحدثنا عن:

أ) التأكيد على مبدأ إحتمال الضعفاء: (ع1، 2)

     من المهم  أن نعود ونتذكر من هم "الأقوياء"، ومن هم "الضعفاء". "فالأقوياء" هنا هم الذين فهموا أو أدركوا حق الله المعلن فى العهد الجديد، وتكونت لهم الحواس المدربة على تمييز الحقائق، وصارت لهم الحرية المسيحية ليمارسوا بها حياتهم الطبيعية والروحية.

أما "الضعفاء" فهم الذين ذو أفق ضيق، فلا تزال أمامهم مخاوف متمثلة فى التمسك بآثار قديمة كنوع من ضمان الجمع بين كل البركات القديمة والجديدة معاً، وبالتالي فهم إلى حد ما مُقيدين، وحريتهم المسيحية لم تكتمل بعد.

ولكن بسبب محبة الله ولطفه وطول أناته، فهو يحتمل قصور أو عجز هؤلاء الضعفاء، إلى أن يمتلئوا من معرفة الحق كاملاً، فهم نظير الأعمى الذى صنع المسيح معه معجزة فتح عينيه على مرحلتين (راجع [مر7: 22 - 26)، والى أن يتم إستنارتهم بالكامل، فمسئوليتنا تجاههم وهم أخوة لنا فى المسيح أن: نحتملهم، ونرضيهم.

نحتملهم: وهذا ما يتكلم عنه الرسول بلغة المسئولية الواجبة "فَيَجِبُ عَلَيْنَا"، أي أنه ليس أمراً إختيارياً، بل إلزامياً، وكأن من حقهم علينا أن نحتملهم، فهم بهذه الحالة "صغار" يحتاجون أن نسندهم إلى أن تتقوى عظامهم الروحية. إن موقفنا منهم مثل موقف يعقوب فى القديم من صغار غنمه الذين رأى أنه لو أسرع بهم فى المسير فسيسرع بهم إلى الموت، فغير من معدل خطوته إحتمالاً لضعفهم. (تك33: 12 - 14)، وصور إحتمالهم تتمثل فى:


1) عدم مقاومتهم.
2) إستمرارنا فى تقديم محبتنا لهم.
3) حمل أي أعباء ممكنة عنهم.

نرضيهم: هذه درجة أكبر من الإحتمال، لأنها تعنى البحث عن راحتهم، وليس راحتنا، وهذا يتطلب منا أن نُراعى ونُلاحظ تصرفاتنا التي أدت إلى عثرتهم، إلى أن ينموا في النعمة والمعرفة، لكن هذا الإرضاء له مجال وهدف، فالكتاب يقول: "لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ"، أي للمنفعة الروحية لهؤلاء الضعفاء، ولأجل أن يقطعوا شوطاً فى البنيان.


ملاحظة: ولكن لا يحق أن يكون الإرضاء هو مجاملة على حساب الحق والنور، بمعنى أن تتجاوب مع الضعيف بالموافقة على خطية يعملها، لأن هذا لا يكون لخيره بل لضرره، ولا لبنيانه بل لهدمه، كما أن هذا الإرضاء يلغي أنتسابنا للمسيح (غل1: 10)، وبولس نفسه كان واحداً من هؤلاء الذين تجردوا من الأنانية أو الذات، وجعل نفسه فى خدمة وإراحة غيره فهو يقول: "كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ. كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا" (1كو10: 32، 33). إن هذا لم يقلل إطلاقاً من أمانة بولس للحق، ولكنه كرابح للنفوس كان ينبغى أن يكون حكيم بمراعاة حالتهم (أم11: 30).


تطبيق: علينا أن نحتمل أى نواحى ضعف فى إخوتنا المؤمنين مهما كانت صعبة علينا.


ب) المسيح مثلنا الأعلى (ع3، 8-12)

1- كونه تخلى عن إرضاء نفسه، واحتمل الجميع: (ع 3)

     ما الذى نراه فى يسوع المسيح؟ نرى الإله الكلى القدرة والحكمة، الذى يليق به تقديم كل إحترام وتعظيم له، ولكنه يظهر فى الجسد خالياً من الرغبة فى إرضاء الميول البشرية الذاتية، غير طالباً راحته، أو ساعياً وراء مصلحة مادية له، أو أى أطماع شخصية، كما لم يكن لديه أى كبرياء ليرضيها، أو روح إنتقام (لو9: 51- 56)، حتى الحقوق الطبيعية الأرضية لم تكن موضوعاً يتمسك به ويُصر عليه (مت17: 24- 27)، وعاش حياته متواضعاً مستعداً لأى خدمة ومجهود، حتى ولو غسل أرجل الآخرين من الأتربة والقاذورات (يو13: 5)، وهو فى هذه الحالة تمم المشيئة العليا، وهى الإعلان عن الله المحب دون النظر إلى المقابل البشرى لهذه المحبة، فكابد الآلام الجسيمة فى سبيل تقديم المحبة والحق للناس. ولأنه كان الله الذى ظهر فى الجسد، والناس كانوا ضد الله فقد قاوموا المسيح الذى أعلن الله لهم، 

فوقعت عليه تجديفات الناس وتعييراتهم واستهزاءاتهم، سواء وهو يعلن الحق/ أو وهو يعمل أعمال الآب، أو وهو يقدم ذاته ذبيحة خطية لأجلنا، فقد عروه من ثيابه، ثم عيروه بأنه عاجز عن تخليص نفسه من الصليب وعاره المشين، ولكنه كان يتحمل هذه كلها كنائب وبديل عنا، ولولا روح الإحتمال، وإنكار الذات التى كانت فيه لما تم فداؤنا (جاءت نبوة التعيير فى مزمور69 الذى يتحدث نبوياً عن آلام المسيح)، والرسول يذكر كيف أن المسيح تألم وعُيَّر، واحتمل ولم يُرضى ذاته، كمثال لنا حتى يحثنا أن نحتمل ضعفات إخوتنا الضعفاء، ولا نهتم بإرضاء أنفسنا حتى لو تألمنا منهم أو لأجلهم.

2- كونه فتح قلبه للجميع (يهود وأمم): (ع 8- 12)

     مما يجعل المسيح مثلنا الأعلى، ليس فقط تخليه عن إرضاء نفسه، بل ما أظهره من قلب مفتوح لإسعاد الجميع، سواء كانوا من شعب الله الذين جرت معهم معاملات قديمة، أو حتى ممن كانوا بعيدين عن معرفته. وهنا يعود الرسول بولس إلى صُلب أسفار العهد القديم، لكى يبرهن من بعض أقوالها كيف أن الله فى المسيح قد عمل حساباً وترتيباً لإدخال الأمم مع اليهود، ليكون الجميع واحداً أمام الله لا تفصلهم أى أفكار أو عقائد، وذلك حتى يُزيل ما بينهم من مخاصمات، أو نزاعات، وتصفو العلاقات بين الجميع.


جاء المسيح خادم لليهود (ع 8):

     لم يأتى المسيح من شعب الله المختار قديماً (حسب الجسد)، إلا ليُقدم أكبر خدمة لهم، وهى تحقيق المواعيد التى أعطيت لآبائهم مثل إبراهيم، وعاشوا آلاف السنين على رجاء تحقيقها حتى يروا صدق أقوال الله وبره، ويصيروا هم أول وأكثر من يعلنون أمانة الله وبره. فكلمة "خَادِمَ الْخِتَانِ" تعنى خادم الذين كان الختان من علامة عهد الله معهم، فعلامة بدء العهد القديم كانت الختان، بينما علامة العهد الجديد هى سفك دم المسيح (مت26: 28).

نبوات عن رحمة الله للأمم (ع9):

     كانت الأمم فى حالة من العار الأدبى والبؤس الروحى، ولم يكن يربطهم بالله أى عهود أو مواعيد فى العهد القديم، لكن كان الله مُذخّر لهم رحمة بمجئ المسيح، فدخولهم لم يكن بموجب مواعيد بل بفعل الرحمة الإلهية التى شملتهم وقبلتهم، ليس ضيوفاً على جسد المسيح بل أعضاء فيه على قدم المساواة مع اليهود. وقد تم هذا بالكرازة للأمم لأن كلمة "وَأُرَتِّلُ لاسْمِكَ" تعنى سأعترف بأسمك، والنتيجة لذلك هو أن الأمم مجدوا الله أفراداً وجماعات، إذ تكونت كنائس فى جميع الأمم تشهد عن نعمة الله (مز18: 49).

وعن اشتراك الأمم مع اليهود فى التسبيح  (ع10، 11):

     كانت العبادة والتسبيح الحقيقي لله قاصرة على اليهود فقط، ولم يكن الأمم يعرفون التهلل الروحى المقدس، لكن باختبارهم نعمة الله صاروا شركاء فى كل شئ بما فيه تسبيح وتمجيد الله، فبعد أن كانت لهم الأغانى الدنسة، وأناشيد وثنية يقدمونها للآلهة الباطلة، تعبيراً عن الحياة التى كانوا يعيشونها، صاروا الآن بعد اختبار الحياة مع الله ينشدون تسابيح وأغانى روحية، يترنمون بها فى قلوبهم، ومع بعضهم البعض، ومع المتبررين من الشعب اليهودى ككنيسة واحدة وليس مذاهب وطوائف.

وهذه النبوات تكلم بها رجال الله اليهود كموسى، وداود فى العهد القديم. (راجع [تث32: 43 & مز117: 1]).

وعن مُلك المسيح على الأمم ورجاءهم فيه  (ع 12)

     نطق بهذه العبارة "إشعياء" النبى فى (إصحاح 11)، وفيها نرى إعلاناً عن لاهوت المسيح، فهو وإن كان من يسى (يسى هو أبو داود النبى والملك، الذى وعد الله بأن يجعل كرسى الملك داود ونسله إلى الأبد)، فهو أصل داود، أى سر وجوده، وبحسب الجسد هو أبن داود، وهذا الأصل المبارك (المسيح) يسود أى يملك على الأمم. وهذا ما حدث روحياً بعد قيامة المسيح من الأموات وصعوده إلى السماء، فقد أنتشر اسمه فى كل العالم، وآمن به أمم العالم، وصار هو ملكها ومعبودها، 

أنه يملك على كيانهم الروحى والأدبى. ولكن سيأتى وقت سيملك فيه المسيح مُلكاً حرفياً على جميع أمم العالم، وهذا ما سيتم فى الملك الألفى (إقرأ عنه فى [رؤ 20]). ولكن بالإضافة إلى ملك المسيح الروحى على قلوب تابعيه الذين هم من كل العالم، فإنه أيضاً موضوع رجاءهم الوحيد، فهو موضع ثقتهم وفرحهم، وهم يتلذذون بمحبته، وشهوتهم الوحيدة هى شخص المسيح. (حج2: 7).

وكأن الرسول بولس يريد أن يقول إن كان الأمم واليهود شركاء فى الإستمتاع بخدمة المسيح ورحمته، وشركاء فى التسبيح له والخضوع لملكه، ورجاءهم جميعاً فيه. فلماذا ينقسمون وتتنازعهم أموراً غير جوهرية؟

تطبيق: إن هذا ينطبق على كل كنيسة واحدة. فما دام المسيح ملكاً عليهم جميعاً، فلا يجب أن يعطوا للمنازعات الشخصية، أو الفكرية مجالاً حتى لا يفقدوا حضور المسيح وسطهم.

ج) دورنا أو مسئوليتنا: (ع 4- 7، 13)

1- أن نتعلم من المكتوب (ع 4، 5):

     إن فرصتنا الآن أكبر من غيرنا، فنحن لدينا كل الكتاب المقدس، وما يحتويه من أقوال ومعاملات 
إلهية واختبارات رجال الله، وهذه كلها مادة غذاء دسم لأرواحنا وكياننا الداخلى، فالنبوات إشارت للمسيح الذى هو مثالنا، وبقية الأسفار شرحت لنا طُرق معاملات الله مع رجاله، ومنهم نتعلم دروساً قوية، حتى أننا لو صبرنا ونحن نتعلم من الكتب، ولو تعزينا بما فى الكتب، لتكَّون لدينا أساس راسخ من الرجاء، وهذا هو المعنى الغالب على (ع 4)، وربما تحتمل الأية هذا المعنى وهو "أنه إن صبرنا وقبلنا تعزية الرب ونحن سائرون فى طريق الإيمان، فلابد أن يتحقق لنا رجاؤنا فى الرب"، ولاسيما أن كلمات الكتب ليست حبراً على ورق، ولكن ورائها الإله القدير الذى سمى هنا "إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ" بمعنى أن أمامنا كلمات إلهية عن الصبر والتعزية، وأمامنا أيضاً إله الصبر والتعزية نفسه. إن هذا الكلام يُشبه تماماً قول الرب يسوع "تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ" (مت22: 29).

     ونحن نجد فى الكتب ما يشجعنا على الصبر والثقة فى نوال التعزية، فالكتب تكلمنا عن صبر أيوب، ويوسف، وداود، والأنبياء. كيف صبروا، وكيف عزاهم الرب فى الضيقات، وكل هذه لكى نتشجع نحن لكى نواصل رحلتنا بالصبر. أيضاَ الكتب لا تعلمنا فقط، بل أيضاً تُنذرنا (1كو10: 11)، وتُحكمنا (2تى3: 15).


2- أن نمجد الله ونحن متحدين ( ع6، 7):

     إن رغبتنا الأولى وهدفنا الأسمى هو تمجيد الله، والسبيل لكى يتحقق هذا التمجيد، هو أن نكون غير منقسمين، أو متحزبين، بل متفقين ومترابطين، ومتقبلين بعضنا بعض، كما أن المسيح قبلنا جميعاً وقربنا إليه وارتبط بنا. ولكى يقبل الله منا العبادة والخدمة، ويؤيد مسيرتنا بروحه القدوس، فتنجح حياتنا، ويتحقق تمجيد أسم الرب يسوع وسط شعبه وأمام العالم، هذا يستلزم أن نكون بنفس واحدة، أى برأى واحد، وفم واحد، أى لنا رسالة مضمونها واحد مفهوم لدينا جميعاً، حتى حيثما يتكلم إنسان فى مكان معترفاً ومبشراً بأسم يسوع، يكون الآخرون لهم نفس الفكر الذى ينطق به ذلك الشخص. إن هذه الوحدة هى التى ستُحاصر العالم، وستُلهم الناس أن يؤمنوا برسالة الفداء. (راجع [يو17: 21]).

3- أن نأخذ من الله قوة لزيادة الرجاء فينا (ع 13):

     إن الرسول بولس هنا يقدم صلاة، أو طلبة إلى الله، وهى إمتلاء أهل رومية من كل سرور وسلام فى الإيمان، لازدياد الرجاء فى قلوبهم، ولذا فهو يتضرع بهذه الطلبة إلى الله بإعتبار أن الله "إِلهُ الرَّجَاءِ"، والرجاء عكس اليأس، والفشل، والخوف. وإرتباطنا بالله يولد فينا قوة رجاء لا يخزى، لأنه رجاء فى الإله القدير الذى يحقق ما نرجوه منه. ومزامير داود مليئة بنغمة رجاء النفس فى الله، فإقرأ مثلاً: ( مز33: 18 & مز42: 5، 11 & مز43: 5 & مز39: 7 & مز62: 5 & مز119: 49 & مز146: 5 & مز147: 11)، ومعنى أن الله "إِلهُ الرَّجَاءِ"، 

أى أنه موضوع رجاؤنا، ومنشئ رجاؤنا، ومحقق رجاؤنا. أما السرور والسلام فهما حقيقة، وصورة الإنسان المتبرر والذى يعيش فى ملكوت الله (رو14: 17)، وهما ينعكسان على علاقتنا بإخوتنا فيخلقان جواً من البهجة والطمأنينة، وباستجابتنا للسرور والسلام الموهوبين لنا من الله إله الرجاء، يقوينا الروح القدس لنزداد تمسكاً برجائنا فى المسيح، لأن الرجاء فى المسيح يمثل طموحاتنا المقدسة، ومعلوم أن الحياة بدون طموح تعتبر بائسة وتعسة، ولكن ليس هكذا مع المتعلقين بإله الرجاء.

إن مسئوليتنا تنحصر فى أن نطلب من الله تلك القوة الروحية التى تعطى الرجاء والانتصار.


     أما لماذا أتجه الرسول إلى التوسع فى كلمة "الرجاء"، فلا شك أن هذا كأنه صوت إلى كل من هو بائس بسبب تأخر الضعفاء، لكى يكون لديه رجاء أن الرب يقيمهم ويمنحهم بصيرة وإدراك، ليكونوا جميعاً فى موكب نصرة المسيح (2كو2: 14).


·      شواهد العهد القديم:
- (رو15: 3)  فى  (مز69: 9)
- (رو15: 9)  فى  (مز18: 49)
- (رو15: 10) فى (تث32: 43)
- (رو15: 11)  فى (مز117: 1)
- (رو15: 12) فى (إش11: 10)



ما هو الواجب الذى تمليه المحبة على الأقوياء تجاه الضعفاء؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
"المسيح أيضاً لم يرضى نفسه .. .." ما هى المواقف التى ترى أن المسيح لم يرضى نفسه فيها (أو ما الذى يتضمنه معنى الآية)؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فى ( رو15: 1- 13) صلوات لبولس من أجل أهل رومية. ما هى الطلبات التى تمنى أن تتحقق لهم؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما الذى أستند الرسول عليه حين طلب أن يكون القبول لبعضنا البعض متبادل؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
"جعل يسوع المسيح نفسه خادماً للختان"
ما المقصود بخادم الختان ؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
لماذا صار هكذا ؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان لليهود مواعيد ولذلك أدخلهم الله إلى دائرة مقاصده ولكن على أى أساس أدخل الله الأمم لمقاصده؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فيم يشترك اليهود مع الأمم فى العهد الجديد؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
من خلال شرح الدرس أستنتج ثلاث فوائد (بركات) ننالها من الكتب المقدسة (كلمة الله)؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
لماذ نجد أن الرسول أكثر من أستعمال كلمة الرجاء فى (رو15: 1-13)؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


ثانياً: الخطة التى سار عليها بولس فى خدمته بين الأمم:   [رو 15: 14- 24]



     إن أهم عمل فى الوجود كله هو العمل الروحى (الخدمة)، ولذلك فهو يحتاج إلى دقة للسير فيه، ومن التدقيق المطلوب أن يعرف الإنسان ما هى "وزنته" (مت25: 14، 15)، التى أعطاها له الرب، وأن يعرف أيضاً كيفية أستخدامها بإرشاد الروح القدس وتوجيهاته، لأن هذا الإرشاد هو الخطة السليمة التى تُحقق دائماً نتائج أكيدة. ولنا من العهد القديم آيتين قويتين يوضحا هذا المعنى وهما (أم 15: 19ب & أم 29: 18أ)، ونرى هذا منطبقاً على بولس، وهو يتكلم فى هذا الجزء من (ع14-24).


ثقة بولس فى أهل رومية:  (ع 14)

     بلغة التشجيع والتقدير لحياة الآخرين الروحية، يقول بولس لهم "وَأَنَا نَفْسِي أَيْضًا مُتَيَقِّنٌ مِنْ جِهَتِكُمْ" وكأنه يريدهم أن يفهموا أن توبيخه لهم فى موضوع الأقوياء والضعفاء، لا يُقلل قيمتهم فى نظره، وهذه ميزة عظيمة فى شخصية بولس الرسول، أنه لا يعتبر من يستحق التوبيخ علي شيء لا يستحق المدح علي أشياء أخري فاضلة فيه، لقد كانت له نظرته دائماً العدل لا القسوة، والبناء وليس الهدم، فيذكر لهم كيف أنه متأكد من وجود إمكانيات روحية عظيمة، ونعم ممنوحة لهم من الله وهي:

أ) حياة الصلاح الداخلي الفعال "مَشْحُونُونَ صَلاَحًا"، فلم يكن صلاحهم ظاهرياً أو وقتياً، بل هو متأصل في كل كيانهم.

ب) الإمتلاء من العلم الإلهي "مَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ"، وقد يقصد بذلك موهبة العلم المذكورة في (1كو12: 8)، وهي موهبة فائقة من مواهب الروح القدس، أو المعرفة الروحية للحق التي تمكنهم من ممارسة الحياة الروحية بصورة جيدة.

ج) القدرة علي المصارحة للبنيان "قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا"، وهذه من سمات أعضاء الجسد الواحد السليم أمام الله، أما المحاباة أو الرياء فهما يفسدان أعضاء الجسد.

     من هذه الإمكانيات يتضح أن كنيسة رومية كانت كنيسة قوية وناضجة ونشطة. (أدرس الشواهد الآتية لزيادة التعمق [كو1 : 1 & فليمون: 6 & 1يو2 : 21]).

طبيعة خدمة بولس بين الأمم: (ع 15، 16)

     في تواضع وصراحة يوضح الرسول سبب كتابته لهم هذه الرسالة، فرغم ما أحتوته من تعاليم قوية ونصائح ثمينة، إلا أنه يعتبر نفسه أنه تجرأ وكتب رسالته كمجرد "مُذَكِّرٍ" لهم، وليس مُذكر من تلقاء ذاته، حتى لا يُساء فهم كلامه، بل بإعتبار أن الله أقامه بنعمة خاصة (موهبة)، ليؤدي هذا العمل. وكأنه بذلك يستسمحهم أن يقبلوا رسالته بإعتبارها ليست منه، بل من الله الذي وهبه كلماتها ومضمونها. وهو يعتبر أن كتابته لهم هو تكميل لخدمته بين الأمم الذي أؤتمن علي الخدمة بينهم، وكأنه في تواضعه يقول لهم إن لم أكن قد كتبت أكون بذلك مقصراً في خدمة الرب بين الأمم، لأن الرب يسوع المسيح قد أقامه ليقدم بشارة الإنجيل بروح الإلتزام التي كان يباشر بها "الكاهن" في العهد القديم دوره في بيت الرب، إذ كان يتلقي القرابين (ذبيحة السلامة: علامة الشركة مع الرب، وذبيحة المحرقة: علامة التكريس للرب، وتقدمة الدقيق: علامة الإعتراف بفضل الرب وصلاحه)، ويقوم بتقديمها أمام الرب بطريقة رسمها الرب حتى تكون تقدمة مقدسة (لا1، 2، 3).

     ولكن بولس هنا لا يتحدث عن ذات القرابين المذكورة في سفر اللاويين، بل يتحدث عن الأمم، أي عن نفوس الأمم كقربان يقدمه للرب. فماذا يعني بولس بذلك؟ يعني أن دوره التبشيري للأمم وصلواته لأجل خلاصهم ورجوعهم بالتوبة إلي الله، يشبه القربان الذي كان الكاهن يأخذه من أفراد الشعب ويقدمه أمام الله، فنفوس الأمم هنا هي قربان، وتشبيه الأشخاص بالقربان أو الذبيحة ليس غريباً في الكتاب المقدس  (راجع [عد8: 5-16 & رو12: 1]).

ولذا كانت خدمة الرسول أن يُصبح الأمم في تغيير طبيعتهم وإيمانهم، كقربان مقبول يُقدمه لله، بعد أن كانوا قبلاً مرفوضين أمام الله، أما الآن فقد تغير الوضع وأصبحوا بعد قبولهم الإنجيل (علي أيدي الرسل والتلاميذ والمبشرين) قرابين مقدسة. لأن الذي عمل فيهم هو الروح القدس، فولادتهم الروحية وتجديدهم يتم بالروح القدس (تي1: 5)، كما أنهم أمتلئوا بالروح القدس مثل اليهود تماماً، وبه صاروا جسداً واحداً (1كو12: 13). لم يكن بولس يكرز من ذاته، أو عن ذاته، بل كان الروح القدس هو العامل الأعظم فيه لجذب نفوس الأمم إلي الرب.



منهج السير: (ع17-21)

أحاديث دقيقة عن الخدمة
(ع17، 18)

إكمال خطة الخدمة بلا كلل
(ع19)

التركيز في البشارة علي الأماكن المحرومة
(ع20، 21)

 
أ) في أحاديثه الدقيقة عن خدمته (ع17، 18):
    لقد سار بولس علي مبادئ عظيمة، فمن جهة لم يكن يفتخر بذاته، وكفاءته، وقدراته، كأنه هو سر نجاح الخدمة، والسبب الأصلي لثمارها، ولكنه كان يفتخر بقدرة المسيح في تجديده للنفوس، أي كانت إفتخاراته مقدسة، وكلها تتجه لمدح النعمة العاملة فيه. أما من جهة نفسه فكان لا يذكر إلا ضعفاته  (إقرأ [2كو12: 1، 5، 6])، لقد كان مدركاً أن المسيح وحده هو المستحق المدح، فكان إفتخاره "فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَةِ مَا ِللهِ"، أي أن أحاديثه عن الخدمة كانت لتمجيد الله (أع14: 27)، لا للإعلان عن ذاته. ثم إن بولس الرسول من جهة أخري، لم يكن يُغالي، أو يتباهي بأعمال وهمية، أو حتى أعمال يستخدم الله فيها أشخاص غير بولس، وذلك حتى لا يرتفع في أعين المستمعين علي حساب عمل قام به آخرين، أي أنه كان دقيقاً جداً في ذكره لأي عمل إلهي، وهذا ينطبق علي لقاءاته بأفراد، كما ينطبق علي تقاريره التي كان يقدمها إلي كنيسة أنطاكية، التي كانت مركز الإنطلاق للخدمة بالنسبة له، كما كان يلتقي مع المسئولين عن الكنائس لمتابعة تقدم العمل، واحتياجاته، ومراجعة أعمال الطرفين: أعمال بولس، وأعمال خدام الكنائس. (راجع [أع20: 17-37])، وكان ما صنعه الله مع بولس لأجل إطاعة الأمم للإيمان، هو أن أعطاه أقوالاً في غاية الحكمة، ليعلن بها عن يسوع المسيح أمامهم، كما أيّد الله بولس بالروح القدس بمختلف أنواع الآيات والعجائب، لتثبيت الرسالة في قلوب الأمم، وهذا ما عبر عنه بكلمة "بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ".

ب) إكمال خطة الخدمة بلا كلل (ع 19):

     كان بولس رجلاً نشيطاً ومجتهداً في خدمته، يسعى سعياً متواصلاً بلا كلل، أو ملل، لكي يبشر الجميع. فقد قطع المسافات الطويلة في جولاته التبشيرية برا وبحرا، مع ما لاقاه من أخطار ومشقات، ولكنه لم يحيد عن هدفه العظيم، وهو إستكمال التبشير في جميع البلاد التي قاده فيها الروح القدس، لقد غطت خدمته قارة أسيا أولاً، ثم دُعي ليكرز في أوربا، فلبي النداء ولم يتواني (أع15، 16)، وكان لا يترك مدينة إلا إذا أطمئن أن قلوباً قد أنفتحت للرب، وأن بذار كنيسة حية قد غُرست في أرض تلك المدينة، وأن رجالاً من هذه الكنيسة قد ابتدأوا يتحملون متابعة النفوس. وهكذا أكمل التبشير ولم يتركه عملاً ناقصاً، ويقول بضمير مستريح تماماً عن هذه الخدمة المكملة أنها امتدت من أورشليم وما حولها إلي "إِللِّيرِيكُونَ" وهو إقليم يقع علي بحر "الأدرياتيك" وغالباً هي نفسها "بلغاريا" (يوغسلافيا)، وما بين أورشليم وتلك المقاطعة مسافات كبيرة في ذلك الزمان، لأن بولس كان لا يقطع المسافة مباشرة، ولكنه كان يسافر متنقلاً من مدينة لآخري.


ج) التركيز فى البشارة على الاماكن المحرومة (ع20، 21):

     لقد أضاء الروح القدس أمام بولس الرسول ما جاء فى (إش52: 15)، حيث يقول ".. .. أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ" فصار هذا القول من المبادئ التي سار عليها الرسول فى خدمته بين الأمم. إذ وضع في قلبه بناء على هذا الحق أن يهتم بالكرازة للنفوس، والأماكن لم تكن قد وطئتها قدم مبشر، حتى لا يكون تكتل المبشرين فى مكان واحد مُعطلا لانتشار الإنجيل في أماكن أخرى، وهذه حكمة تحتاج لإعطائها أهتمام كبيرا أثناء خدمتنا للرب. ولكن علينا أن نلاحظ إن الرسل بالذات كان عليهم الدور التأسيسي للكنائس في الحقول الجديدة، حيث لم تُسمع الرسالة من قبل، أما الحقول التي سمعت فالذهاب إليها كان يأتى في المرتبة الثانية لدور الرسل، بحسب قيادة الرب لهم، وسعة الوقت. وعلى ذلك فهذا الإتجاه من بولس في الخدمة، لم يكن عن كبرياء منه أن لا يبنى علي أساس قد وضعه غيره، بل إنه يعبر عن رغبة في افتداء الوقت باستخدامه لتبشير المناطق المحرومة، حيث لم يسم أسم المسيح بينهم.


سبب تأخير وصول بولس لأهل رومية: (ع22 - 24)

     فى هذه الأعداد إعتذار رقيق من بولس لأهل رومية عن سبب تأخره في زيارتهم، لأنه علي ما يبدو أن واحد أو أكثر من رفقاء بولس في الخدمة قد نقل لهم رغبة الرسول في زيارتهم وافتقادهم، لأننا نقرأ في (أع19: 21، 22) عن رسوخ فكرة زيارة رومية في نفس بولس بعد زيارته لأورشليم، الأمر الذي جعلهم هم أيضاً في اشتياق لأن يرونه ويسمعونه، ولكنه لم يستطع أن يتمم سريعاً هذه الزيارة، بسبب مشاغله الكثيرة في المدن التي ذهب ليكرز فيها. فقد كانت الكنائس في بداية نشأتها، والبداية تحتاج دائماً إلي عناية كبيرة حتى يتم التأسيس بكيفية سليمة تماماً، الأمر الذي كان يستلزم منه المكوث في بعض البلاد لمدد أكثر مما كان يتوقع. ولهذا يقول لهم "كُنْتُ أُعَاقُ الْمِرَارَ الْكَثِيرَةَ عَنِ الْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ"، 

وفي بعض الأحيان كان الشيطان يثير له المتاعب من المضايقين والمعثرين، فكان يضطر للبقاء في بعض البلاد مددا إضافية لتأمين سلامة المؤمنين الجدد، وعن مثل هذه التعطيلات يقول في موضع آخر "إِنَّمَا عَاقَنَا الشَّيْطَانُ" (1تس2: 18). ولكنه وقت كتابة تلك السطور كان في اليونان، حيث أتم نشر الإنجيل في تلك المناطق، وكان متوجهاً إلي أورشليم، ثم إلي رومية، حيث يتوق أيضاً لزيارة أسبانيا، وكانت مستعمرة رومانية في ذلك الوقت. ولذلك فإلي أن يحين موعد وصوله إليهم فإنه يبثهم أشواقه نحوهم كما نري في (ع 23)، ويتوق إلي الشبع من الشركة الحية معهم، بل ليشبع أشواقه من نحوهم برؤيته لهم، وعن هذه الروح الأخوية الحارة يقول ".. .. إِنْ تَمَلاَّءْتُ أَوَّلاً مِنْكُمْ جُزْئِيًّا" أي لن أترككم وأذهب إلي أسبانيا، إلا بعد أن أكون قد أرويت نفسي وأشبعتها من عشرتكم ومحبتكم. إن بولس كان إنساناً له أشواق حارة، وعاطفة صادقة نحو إخوته في المسيح.


ملحوظة: من كلمة "جُزْئِيًّا" نفهم أن امتلاءنا من محبة بعضنا لبعض، هي أمر جزئي أو وقتي، أما الإمتلاء الكلي فهو بالله وحده علي الدوام.

ثالثاً: خدمة بولس للقديسين فى أورشليم:  [رو 15: 25- 33]
   
خدمة جديدة لبولس الرسول: (ع 25-29)

     هنا يقدم الرسول إليهم السبب الذي لأجله لا يستطيع أن يأتي حالا لزيارتهم، وكأنه يلتمس منهم قبول عذره، ويوضح أن سبب ذلك هو أنه مزمع أن يقوم بخدمة جديدة، قد وضعت علي عاتقه، وبصفة شخصية، وهي حمل تقدمة مادية يوصلها إلي القديسين المحتاجين في مدينة أورشليم، وهي التقدمة التي جمعتها كنائس مقاطعتين هما مكدونية وأخائية بآسيا. وبولس لم يكن يحمل هذه التقدمة لنفسه، ولكن لأخوته الأصاغر الذين يخدمون في كنيسة أورشليم ونواحيها، 

والذين كان عددهم غير قليل، وقد تعرضوا لإضطهادات متوالية، يبدو أنها أثرت علي معيشتهم، كما حدث مجاعة في هذه المنطقة (أع11). كما أن كنيسة أورشليم كانت مثقلة بأعباء كبيرة تخص الخدمة، فقد كانت مركز أنطلاق جميع الرسل والخدام إلي كل بلاد العالم ليكرزوا بالإنجيل، بالإضافة إلي أن الكنيسة نفسها كانت تقدم معونات مادية للمحتاجين والأرامل، مما جعلها في عوز مادي، وقد رتب الله أن تُقَّدر كنائس مكدونية وأخائية الخدمة التي تؤديها كنيسة أورشليم، لأنها تعتبر هي الكنيسة الأم التي خرج منها الرسل والمبشرين والأنبياء إلي أنحاء العالم مقدمين بشارة الإنجيل، ورغم أن بولس نفسه كان بعيداً تماماً في هذه السنين عن كنيسة أورشليم، 
إلا أنه كان يشعر بالرابطة التي تجمعه بإخوته الرسل والخدام الذين في أورشليم، وقد أهتم بأمر سداد إحتياجاتهم المادية، وكان بولس موضع ثقة كنائس آسيا فاستودعوه تقدماتهم وعطاياهم فقام بهذه المهمة وهو مسرور، معتبراً أن تلك الروح التي تبديها تلك الكنائس نحو القديسين في أورشليم هي روح عرفان وتقدير لدورهم وعملهم في خدمة الرب، معلنا أن هذا حق، بمعني أنه إن كان القديسين قد قدموا للأمم أنفسهم والروحيات التي منحها لهم الرب وهي أغلي وأهم من كل شيء، فلا يعتبر كثير علي الأمم أن يقدموا من الجسديات التي لديهم لأولئك القديسين.

     وقد دعا بولس هذه الخدمة "الثَّمَرَ" بإعتبار أن عمل النعمة في القلوب لابد وأن تظهر ثماره، وفى مواضع آخرى أعتبر أن مثل هذه الأعمال البارة بمثابة "ذَبَائِحَ" يسر الله بها (عب13: 16).

     ومن كلمات بولس عن هذه الخدمة يتضح أنه كان مهتماً جداً بها وشغوفاً بإتمامها لإخوته في أورشليم، حتى أنه يتوقع بعد أن يتممها أن يحضر إلي رومية "فِي مِلْءِ بَرَكَةِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ" (ع 29)، وكأنه بإتمام مهمته في أورشليم سيكون قد إستراح وتعزي تعزية فياضة أن الله أستخدمه فيها، ووصلت هذه التعزية إلي درجة البركة الكاملة في معايشة الإنجيل. فعندما يصل إليهم سيكون في قمة البركة وهذه كلمات تعبر عن الرجاء الذي كان يملأ قلب بولس.

ملحوظة: رغم أن بولس وصل إلي رومية كما نعلم من سفر الأعمال كأسير بعد مخاطر رحلة البحر العصيبة، إلا أن قلب الرسول كان ممتلئاً بالثقة علي الدوام. وهكذا يجب أن يكون قلب المسيحي الحقيقي.

تقدير بولس لفاعلية الصلاة: (ع 30 - 32)

     لم يكن يري بولس أن العمل الروحي يعتمد علي القوة الجسدية، أو الحكمة البشرية، أو الخبرة المكتسبة من الحياة العملية، بل كان كل إعتماده علي الرب شخصياً. وكيف يكون أعتماد إنسان أو خادم علي الرب، إن لم يكن ذلك بالتوجه بالصلوات والطلبات إلي الله، وبولس رغم ما عمله الرب به ومعه من آيات وعجائب عظيمة، كان خادماً متزناً جداً، ومتواضعاً في حياته، وفي خدمته، والدليل علي ذلك أنه يشعر بإحتياجه إلي جهاد أخوته في رومية في الصلاة لأجله، لقد كان يصلي في كل حين لأجل العالم كله، مؤمنين وغير مؤمنين، بحكم مسئوليته ومواهبه، 

ولكن هذا لم يقلل من إدراكه أنه أيضاً إنسان تحت الآلام يحتاج أن يصلي لأجل نفسه، وأن يصلي الآخرين لأجله أيضاً، وهو هنا يلتمس الصلاة لأجله في أمور حددها أمامهم، حتى تكون صلاتهم عن وعي، وبصورة محددة، وحين يلح عليهم بالجهاد معه في الصلاة يذكرهم بربوبية يسوع المسيح الذي يعبدونه، وبمحبة الروح القدس التي تملأ قلوبهم، أن يشاركوا الصلاة لأجل:

- تدخل الله لحفظه وإنقاذه من اليهود غير المؤمنين، والذين يسمعون عنه أنه يعلن عن ذات الله، ويبشر بأسم يسوع المسيح بين الأمم، وهو الأمر الذي يكرهونه بشدة. ولعله من نبوة إغابوس (أع21: 10، 11)، ومن المعلنات التي وصلته من أنبياء آخرين في كل مدينة كرز فيها (أع20: 22، 23)، ومن الأخبار التي كانت تصله عن تضايق اليهود منه، أدرك أنه سيتعرض لضيقات في أورشليم (ولكن كل هذه النبوات والتوقعات لم تكن تُثنيه عن أن يواصل خدمته إلي أورشليم، ويخدم القديسين هناك)، والشيء العظيم أن هذه الصلوات قد أُستجِيبت، إذ أُنقذ بولس من موت أكيد عندما وصل إلي أورشليم. (أنظر [أع21 ـ 24]).


- إن تقبل خدمته (حمل التقدمة) من القديسين في أورشليم، فهذه أول مرة في تاريخ المسيحية يقوم الأمم بخدمة اليهود، وهي خدمة المساعدات المادية، وكان بولس يتوقع أن تنشأ تساؤلات، أو إعتراضات عند البعض، ممن هم مؤمنين ولكن لديهم بعض التزمت والحساسية حول قبول التقدمة التي يحملها بولس من الأمم لليهود، وبولس  (رغم إحتياج يهود أورشليم لتلك التقدمة) يتمني أن القديسين يقبلون أداءه لهذا الدور، ويقول علي أن نجاح مهمته هذه يتوقف علي الصلاة لله، لكي يقنع الجميع بقبول التقدمة.

- أن يحضر إليهم بفرح بإرادة الله، ويستريح معهم، أي أنه كان لا يتمني أن يخرج من أورشليم حزيناً بسبب مضايقات غير المؤمنين، أو مرفوضة خدمته من المؤمنين، فينعكس ذلك علي حالته وهو ذاهب إلي أهل رومية. أي أنه يود ملاقاتهم وهو مبتهج، فيكون لقائاً مُفرحاً، حتى تكتمل تعزيتهم برؤيته في حالة الفرح الروحي. وكان بولس يدرك أن الفرح الحقيقي هو عطية تتبع إرادة الله، ولذلك أدرج هذا الموضوع من ضمن الأمور التي يحتاج إلي الصلاة لأجلها.

     إن بولس كان يقدر قيمة الصلاة ويعتبرها الطريق لكل بركة ونعمة.


طلبة سلام الله: (ع 33)

     في وسط عالم متشاحن مضطرب يحيط بأبناء الله من كل جانب، يلتمس لهم الرسول بركة رفقة الله لهم كإله السلام مع أبناء السلام، وهو يلتمسها لهم جميعاً بإعتبار أن أختبار السلام هو أختبار شخصي وجماعي أيضاً.



ما هي الفضائل الروحية التي كان بولس الرسول متأكداً من وجودها في كنيسة رومية؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان هناك دافع يحث بولس علي الكتابة لأهل رومية كخدمة لهم . فما هو؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما المقصود بالقربان المذكور فى (رو15: 16)؟ وعلى أي فاعلية آمن بولس أن القربان سيُقبل؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بما شبه بولس نفسه كخادم بين الأمم؟ ولماذا أستعمل هذا التشبيه؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أذكر عبارة قالها بولس تبين اجتهاده الذي لم يكل فيه؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما هو المنهج الذي سار عليه بولس في:
التكلم عن خدمته:
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
التبشير في آسيا وما حولها:
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
في خدمة بولس للقديسين في أورشليم بحمل تقدمة لهم من كنائس الأمم: ما هي القاعدة التي بني عليها بولس صحة وسلامة هذه الخدمة؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما هى النظرة الإعتبارية التى رآها بولس فى هذه الخدمة من الأمم؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما هو هدف بولس من قيامه بمثل هذه الخدمة؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
"طلب بولس من كنيسة رومية أن تشترك معه في تقديم صلاة شفاعية لأجله"
بأي دالة طلب منهم ذلك؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما هي الطلبات المحددة التي كان عليهم أن يقدمونها لله من أجل بولس؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ما السر في قبول الله لأي عمل نعمله؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------
قارن بين (ع 18)، (كورنثوس الثانية 12 : 15)؟
------------------------------------------------------------------------------------------------------
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة